و قوله :﴿ بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون ﴾، لأنه أراد أن يتوصل بذلك إلى إنقاذهم من الشرك ـ والشرك أعظم المفاسد ـ، مع أنهم إذا خلصوا من الشرك خلص هو من القتل، و ظني أن هذه كلها كانت قبل أن ينبأ إبراهيم - عليه السلام -، كما قررته في رسالة " العبادة".
و كل من هذه الثلاث فيها تورية قريبة، و الحال التي كان عليها شبه قرينة تشكك في حمل كلامه على ظاهره، فيصير بها الكلام كالمجمل.
وإيضاح هذا : أنه قد علم أنه لو تبين للظلمة أنها امرأته لقتلوه، وإذا عرف ذلك فيبعد أن يعترف بأنها امرأته، و مثل هذه الحال توقع عادة في الكذب المحض. و لهذا لا يثق الناس بخبر من وقع في مثلها، فإذا عرفوا منه التحفظ من الكذب، قالوا لعله ورّى، فهذا شبه قرينة.
أولا ترى الناس لا يرتابون في قول الغني لبعض المال الذي تحت يده: هذا مال امرأتي ؟ و يرتابون في مثل هذا القول إذا وقع من مفلس أو معوز.
ومع هذا كله، فقد سمى الشارع هذه الثلاث الكلمات كذبات، فقال النبي - ﷺ - :" لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، كلهن في ذات الله....."، و الحديث في الصحيحين.
و جاء في الشرع ما يدل أن مثل هذا الكذب لا يخلو من مخالفة، ففي الصحيحين في حديث الشفاعة :" فيأتون آدم فيقولون : اشفع لنا عند ربك، فيقول : لست هناكم ـ و يذكر خطيئته التي أصاب أكله من الشجرة و قد نهي عنها ـ، فيأتون نوحا، فيقول لست هناك ـ و يذكر خطيئته التي أصاب بسؤاله ربه بغير علم ـ، فيأتون إبراهيم فيقول : إني لست هناكم، و يذكر ثلاث كذبات كذبهن......".
و هناك ثلاث أنواع دون ما ذكر :
أولها : الإيهام : كأن يريد غزوة جهة الشرق، فيسأل عن الطريق في جهة الغرب، حتى إذا كان جاسوس يرى الاستعداد للغزو، و يسمع ذلك السؤال، فيتوهم أن القصد جهة الغرب، فإذا رجع إلى العدو الشرقي أخبرهم بذلك، فيكفون عن الإستعداد.
(١/٦)