فقد علمت فيما تقدم حقيقة الكذب و قبحه، و أنه غير محمود حتى في حال الضرورة، كما في قول إبراهيم - عليه السلام - :"هي أختي"، و تعلم أن الله - عز وجل - سمى نفسه الحق، و بعث الرسول بالحق، و أنزل الكتاب بالحق، وأنزل الكتاب هدى للناس، وبعث الرسول هدى للناس، و هو سبحانه و تعالى الغني عن العالمين، فكيف يجوز عليه ـ تبارك و تعالى ـ أن يكذب، أو يأمر رسوله بالكذب، أو يقره على الكذب، و كيف يجوز على رسوله الكذب وقد جعل الله تعالى الكذب عليه من أشد الكفر، فقال :﴿ فمن أظلم ممن كذب على الله ﴾ و قال لرسوله :﴿ و لا تقف ما ليس لك به علم ﴾.
فأنى يجوز مسلم أن يكذب رب العالمين، أو يكذب رسوله الصادق الأمين ؟!.
الباب الأول
في معنى التأويل
التأويل في اللغة : مصدر أوّل يؤوّل، و أوّل فعّل ـ بتشديد أوسطه ـ ثلاثية آل يؤول أولا.
قال أهل اللغة : الأوْل الرجوع. و هذا تفسير تقريبي.
وأغلب ما تستعمل في الرجوع الذي فيه معنى الصيرورة.
ومن أمثلة اللغويين :"طبخ الشراب ؛ فآل إلى قدر كذاو كذا ". و لذلك وضع بعض النحاة "آل" في الأفعال التي تجيء بمعنى "صار"، و تعمل عملها.
و "آل" قريب من معنى "حال"، أي : تحول من حال إلى حال، وأكثر ما يقال : استحال. و في الحديث :"فاستحالت غربا"، إلا أن "حال" و "استحال" يختص بما تحول إلى حالة غير ناشئة عن الحالة الأولى ؛ و "آل" تكون حاله الثانية ناشئة عن الأولى ـ كقولك :"ربما تؤول البدعة إلى الكفر " ـ، أو ناشئة عما جعل "آل" غاية له، كقولهم :"طبخ الشراب حتى آل إلى قدر كذا و كذا ".
(١/٨)