و فرق ثان، و هو أن "حال " و "استحال" قد يكون بسرعة، كما في الحديث :"فاستحالت غربا". و "آل" يقتضي أنه بعد مدة، كما في "طبخ الشراب"، أو ما هو كالمدة، و ذلك يكون في رجوع الشيء إلى الشيء بغموض و خفاء، كقولك : إن إخراج النصوص الشرعية عن ظواهرها بمجرد الرأي و الهوى يؤول إلى الكفر ؛ تريد أنه كفر، إلا أن كونه كفرا إنما يعلم بعد ترو و تدبر ؛ و لذلك لا يكفر كل من فعل ذلك ؛ لأنه قد يكون معذورا.
و التأويل مأخوذ من هذا، فهو أن يجعل الكلام يؤول إلى معنى لم يكن ظاهرا منه، فآل الكلام إلى أن حمل على ذلك المعنى بعد أن كان غير ظاهر فيه.
و التأويل قد يكون للرؤيا، وقد يكون للفعل، وقد يكون للفظ :
فأما تأويل الرؤيا : فالأصل فيه أنه مصدر أوّل العابر الرؤيا تأويلا، أي : ذكر أنها تؤول إلى كذا، و يذكر ما يزعم أنه رمز بها إليه، و كثيرا ما يطلق على المعنى الذي تؤوّل به : و منه ـ و الله أعلم ـ قول الله- عز وجل - حكاية عن جلساء ملك مصر :﴿ و ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ﴾. ومواضع أخرى من سورة يوسف.
ويطلق على نفس الواقعة التي كانت الرؤيا رمزا إليها، ومنه- والله أعلم – قول الله - عز وجل - حكاية عن يوسف - عليه السلام -: ﴿ هذا تأويل رءيى ﴾. فجعل نفس سجود أبويه و إخوته له هو تأويل رؤياه التي ذكرها بقوله :﴿ إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي سجدين ﴾.
و أما تأويل الفعل : فهو توجيهه بذكر الباعث عليه والمقصود منه؛ فيتبين بذلك أنه على وفق الحكمة بعد أن كان متوهما فيه أنه مخالف لها، ومنه ما حكاه الله - عز وجل - عن الخضر: ﴿ سأنبئُك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾.
و قد يطلق على العاقبة التي يؤول إليها الفعل ؛ و به فسر قتادة وغيره قول الله - عز وجل - :﴿ ذلك خير و أحسن تأويلا ﴾.
(١/٩)