ولو كان له عندك قدر لاستمعت لحديثه ولم تله عن تفهمه وإنما لهوت عن حديث من حدثك من الخلق أنه غاب عنهم علم ضميرك ولو كان لهم باديا ما فيه لأحضرت عقلك إليهم وإلى حديثهم ولم ترض لهم بالاستماع لحديثهم دون الفهم له ولا بالفهم له دون تحببهم على قدر حديثهم لتعلمهم أنك قد فهمت عنهم ولم ترض لهم بالجواب دون أن توافقهم فتعظم ما عظموا وتستحسن ما استحسنوا وتستقبح ما استقبحوا هذا وأكثر حديثهم لغو ولهو وليس فيه منفعة ولا دنيا ولا حق لهم يؤكدوه عليك بقولهم ولا يرضون عنك بفهمه ولا تحب لهم أن يسخطوا عليك إن لم تكن تفهمه وتقوم به
فكيف بالرب الكريم الذي سهل لك مناجاته وأقبل عليك ولم يتكلم به لغوا ولا قاله لهوا ولا عبثا ولا خاطب
به سهوا ولا تفكها ولا استراحة إليك تعالى الله جل وعز عن ذلك علوا كبيرا
وإنما تكلم ٩٣ به مخاطبة قصدا وإرادة وتوكيدا للحجة عليك وعلى خلقه إعذارا إليهم وإنذارا
فكف يرضى عنك دون أن تسمعه وتحضر عقلك وتفهم معاني قوله وأن لا تتشاغل بشيء من الأشياء دون أن تستقصي منهم معانيه
وكيف يرضى بذلك وإنما كلمنا بعزائم العهود وأوكد المواثيق وحقائق الأمر والنهي ولا يرضى منهم باستماعهم مواعظه دون فهمها ولا بفهمها دون العزم على القيام بحقوقه فيها ولا بالعزم على القيام بحقه فيها دون الصبر على القيام بحقوقه في أوقات وجوبها بغير تسويف ولا تأخير لأنه كلام أقبل علينا به بجلاله وكبريائه مخاطبا لنا به فعرفنا به أنه لا إله غيره ويأمرنا بما يرضى به ويقربنا منه ويوجب لنا جواره والقرب منه والنظر إليه ويوجب لنا به إن ركبنا ما يسخطه عذابه الأليم في خلود الأبد الذي لا انقطاع له ولا زوال ولا راحة


الصفحة التالية
Icon