وندبنا فيه إلى الأخلاق الكريمة والمنازل الشريفة وأخذ علينا الميثاق المؤكد فكيف يرضى بتلاوته والقلب مشغول بالدنيا وقد طبعنا طبعا لا نعرف ما نتلو دون أن نصغي إليه بأسماعنا ولا نفهمه وإن أصغينا إليه حتى نحضر له عقولنا إلا بقطعها عن النظر في كل شيء سواه ولا نفهم قوله دون أن نعظم ما قال في قلوبنا ونعظم قدر رضاه وسخطه ولا يعظم ذلك عندنا مع طول موالاتنا بالدنيا والاشتغال بذكرها وذكر أهلها إلا بتكرار التلاق والدوام على تقصي العقل تقصي ذلك والتيقظ له حتى نفهم ما قال فينتبه العقل من غفلته ويشاهد علم الغيوب ببصره ويتوهم عظيم الجزاء الثواب والعقاب برؤية بصره
فعند ذلك يعقل التالي عن ربه عز وجل فيقول ما قال عنك كرائي عينه وما أقبل عبد على الله جل وعز إلا أقبل الله عليه وأسرع إليه الإجابة فكذلك إذا أقبل على الله تعالى وذكره بطلب الفهم أسرع إليه بالإفهام له وكذلك ضمن للمقبلين إليه بعقولهم لفهم كلامه عنه فقال عز وجل إن في ذلك لذكرى
لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
وقال مجاهد شهيد شاهد القلب ليس بغايب فعندها شاهد قلبه الغيب كرائي العين
وفهم كتاب الله يورثه النفس الثابت في القلب فإذا ثبت فكأنه يعاين ربه جل وعز ووعده ووعيده ومما يبين ذلك ما روي عن أبي بن كعب حين سمع رجلا يقرأ فأتى به النبي ﷺ فاستقرأه فقال أحسنت قال وضرب صدري وقال اللهم أذهب عنه الشك فارفضضت عرقا وامتلأ جوفي خوفا
فإذا ثبت للنفس كان كالعيسان
كان العبد في الدنيا ببدنه وقلبه معلق بالله جل وعز وبغيب معاده
فاتق الله ولا تجعل كلامه منك بظهر وقلة اكتراث منك بفهم ما قال وذلك عليه فإنه يجل من أجل كلامه ويهون عنده من لم يعظم كلامه
فمن أجل كلامه آثره على كل كلام ومخاطبة وعلى كل
علم ليفهمه عنه ويقوم بحقه بمعرفة وفهم


الصفحة التالية
Icon