ولو عقل عن الله جل وعز فهم آية واحدة كما كفته أيام الحياة في القيام بحق الله فيها فكيف بما قال في كتابه من الدلائل والشواهد والأمثال والوصف له ولما في المعاد من الثواب والعقاب ويبين لك ذلك ما حدثناه يزيد بن هارون قال أخبرنا جرير بن حازم قال أخبرنا الحسن عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق أنه أتى النبي ﷺ وقرأ عليه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فقال حسبي لا أبالي ألا أسمع غيرها فهذا رجل لم يهاجر ولم يلزم النبي صلى الله عليه وسلم
أعرابي لم يبتن في الإسلام ولم يقرأ القرآن قبل ذلك أقرأه النبي ﷺ آية فاكتفى بها ٩٤ وورثته الحياء من الله جل وعز فكيف بمن ولد في الإسلام وعلمه الله عز وجل كتابه وسمع تفسيره وكتب الآثار عن نبيه ﷺ وأوليائه الصالحين لا يفهم كتاب الله جل وعز يتلوه من أوله إلى آخره وذاك لأنه تلاه دارسا والقلب مشغول بغير فهمه ولا طلب معانيه وذلك لقلة تعظيمه لقائله وإغفاله الرحمة لنفسه وقد
ضمن من لا يخفى ضمانه ووعد من لا يخلف وعده جل ربنا أن ما أنزل من كلامه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين فما أحق من أغفل عن فهم كتابه أن يستحي من ربه عز وجل ويأسف على ما مضى من عمره ومرض قلبه وهو لا يزداد إلا سقما ومرضا وذلك لقلة مبالاته بدائه ترك طلب شفائه بما قال مولاه وتدبر ما تكلم به خالقه وقد رآه مولاه وهو يعني بفهم كتاب مخلوق وحديثه وليس في كتابه وحديثه إياه خلود الأبد في النعيم ولا النجاة من عذاب لا ينقطع بل لعل ما فيه ما الاشتغال به ضرر عليه ومسخطة لربه عز وجل ولعل فيه ما الاستغناء بغيره أولى أو لعل فيه حاجة لا قدر لها أو خبر بحيث أن يعلمه من أخبار الناس أو حاجة بكلفة لا يأمل لها مكافأة ولا يحثه على القيام بها إلا خوف عذله ولائمته


الصفحة التالية
Icon