وكيف يكون المولى تبارك وتعالى وقد علم منا أنا قليل تعظيمنا له ونحن لا نعبأ بفهم كلامه وتدبر قوله فيما خاطب به كما نعبأ بفهم كتب عبيده وحديثهم الذين لا يملكون لنا ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا تبارك من
يملك ذلك كله وذلك أنه قدر رآنا يأتي أحدنا كتاب من القرابة أو الأخ أو العامل أو الجار فلا يتمالك أن يقرأه ويقرؤه مرارا من حبه لصاحبه ولا يرضى بقراءة حروفه دون الفهم بما كتب به إليه بإحضار عقل وفقه للحروف ليفهم ما أراد وما الذي به أمر ونهى وما أوصى فإن أشكل عليه استخراج بعض حروفه استعان بغيره على قراءته ليستخرج له ما لم يستخرجه ليعرف بذلك ما معنى الذي كتب به وما الذي أراد وما الذي يكن خوفا أن يفوته فيه معنى منفعة أو علم مضرة ليحذرها
وربما كتب إليه من لا يأمل ذلك منه يكتب بحاجة يطلبها أو شيء أراد أن يعلمه فما يترك أن يستقصي فهم كتابه ليفقه الحروف مع فهم القلب معنى الذي أراد وكتب يبعثنا على تأمل كتابه محبة منا إليه لخبر ورجاء منا لخبره أو جزعا منا لخوف فوت منفعة ننالها منه آجلا أو قرب جواره أو تفهما لسؤالنا حاجة أو أمل مكافأته أوجبت محمدته أو خوفا أن يفوتنا ما يريده فيلومنا في تقصيرنا أو حياء منه أن نقدم عليه فيسألنا عن بعض ما كتبه فلا تقوى قلوبنا ونستحي أن نجيبه بأنا لم نقرأ كتابه أو أنا قرأناه ولم نفهم ما كتب به لأنه
يرى أن ذلك تهاون منا به وقلة عناية منا بالمرة فغدا نقدم على الله جل وعز فنلقاه ويسائلنا عن كتابه الذي أنزل إلينا مخاطبا لنا به وكيف فهمنا عنه وكيف عملنا به وهل أجللناه ورهبناه وهل قمنا بحقه الذي أمرنا به وجانبنا ما نهانا عنه مع ما يفوتنا من جواره وما نستوجب من عقابه