وقد سبق أن أوضحنا أن القرن الأول من عصور الدولة العباسية ساده صراع عنيف بين المعتزلة والشيعة من جانب والمحدثين من جانب آخر وتطرف كل من الفريقين في موقفه فكان كتاب المحاسبي هذا لإعادة الأمر إلى نصابه بعيدا عن الغالين والمقصرين المفرطين والمفرطين وقد رأى المحاسبي أن القول بالنسخ في الأخبار والأخذ بالمتشابه في صفات الله يؤدي إلى نتائج ليست من الإسلام في شيء
البدوات وحدوث الارادات
إن النسخ في الأخبار يوجب بالخبر الثاني الكذب في الخبر الأول كما يلزم منه البداء والبداء من الجهل وذو البدوات جاهل بما يكون فيما يستقبل والله سبحانه وتعالى يقول لا تبديل لكلماته وقد أول بعض من يدعي السنة وبعض أهل البدع ذلك على الحدوث فأما من ادعى السنة فأراد إثبات القدر فقال إرادة الله عز وجل أحدث من تقديره فتقديره سابق لإرادته
وأما أهل البدع فزعموا أن إرادة الله عز وجل بها كون المخلوق فزعمت أن الخلق غير المخلوق وأن الخلق هو الإرادة
ويرد عليهم المحاسبي ردا هو رد الأشاعرة والغزالي فيما بعد أن العلم هو انكشاف المعلوم على ما هو عليه ماضيا وحاضرا ومستقبلا والإرادة تخصيص لزمان وقوع الفعل وأما قوله إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وقوله إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها فإنه لم يزل يريد قبل أن يحدث الشيء أن يحدثه في وقت إحداثه فلم يزل يريد إحداثه في الوقت المؤخر فإذا جاء الوقت فهو أيضا يريد أن يحدثه فيه فبإرادته أحدثه في ذلك الوقت الذي فيه أحدثه فإرادته عز وجل دائمة لأنه مريد قبل
الوقت وفي الوقت الذي أحدثه فيه فأراد بقوله عز وجل إذا أردناه إذا جاء الوقت الذي هو فيه وهو له قبل في الوقت مريد فأوقع إذا على الإرادة وإنما أراد الوقت وهو مريد له أيضا في الوقت وإذا أردنا أن نهلك قرية يعني الوقت الذي أردناه من قبل إذا جاء الوقت أهلكناه فيه لا على البدء منه بإرادة أخرى
السمع والبصر


الصفحة التالية
Icon