فإذا عرفت ذلك واستيقنته فتلوت آية في ظاهر تلاوتها تحسب أنها ناسخة لبعض أخباره كقوله في فرعون حتى إذا أدركه الغرق وقال فاليوم ننجيك ببدنك وكقوله يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار أنه لم يرد به النجاة من الغرق في الدنيا ولا من العذاب في الآخرة وقد تأول قوم أن الله جل ذكره عنى أن ينجيه ببدنه من النار إذا آمن عند الغرق وقالوا إنما ذكر أن قوم فرعون يدخلون النار ولم يذكر أنه يدخل فرعون النار وإنما قال يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ولم يقل فيردها
فرعون وقال وحاق بآل فرعون سوء العذاب فأخذه الله نكال الآخرة والأولى
وإنما معنى قوله ننجيك ببدنك أن الله جل وعز لما غرق فرعون وقومه لم توقن بنو إسرائيل بذلك وقالوا ما غرق فرعون وإننا نخاف أن يلحقنا فيقتلنا فأمر الله جل شأنه البحر ٩٩ فألقى بدنه بغير روح على ضفة البحر ليستبين بنو إسرائيل بغرقه فلما ألقاه البحر نظرت إليه بنو إسرائيل فجعلوا يمثلون به
وكذلك إذا تلوت قوله فليعلمن الله الذين صدقوا الآية وقوله ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم الآية فظاهر التلاوة على استئناف العلم من الله بجهاد المجاهدين وصدق الصادقين وكذب
الكاذبين وجل الله أن يستأنف علما بشيء وكيف وكل شيء يكون فهو يكونه فلم يأت إلا وقد تقدم العلم منه به وكيف يأتي وكيف يكون ولو لم يكن يعلم كيف يكون ما أحسن أن يكونه أبدا لأنه من ليس له علم بما يريد أن يصنعه كيف يكون يحسن أن يصنعه ومن لم يحسن كيف يصنعه لم يقدر أن يصنعه
وهذا نجده ضرورة في فطرنا فلو لم نر كتابا قط ولم نحسن أن نكتب لم يجز لنا أن نكتب كتابا مؤلفا بمعاني مفهومة بالتخمين أبدا وكذلك جميع الصناعات من لم يرها فيعلمها أو توصف له فيعلمها لم يحسن أن يأتي بها أبدا فالله جل ذكره أولى بعلم ما يكونه قبل أن يكونه


الصفحة التالية
Icon