ألم تسمعه يقول ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وقد يستدل على ذلك من عقولنا أن من فعل شيئا بحكمة فلم يفعله حتى كان عالما قبل أن
يفعله فأتى به كما أراد أن يكون وقد علم كيف يجيء
وقد امتدح الله جل وعز بعلم ما قد كان وما سيكون وما لا يكون أو كان كيف كان يكون فمدح نفسه بعلم جميع الغيوب فقال جل من قائل وربك أعلم بمن في السموات والأرض وقال وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم وقال عالم الغيب والشهادة وقال علم الله أنكم ستذكرونهن وقال علم أن سيكون منكم مرضى الآية
وأخبر بما لا يكون أو كان كيف كان كيف يكون فقال عز وجل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وقال لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم فأخبر أنه قد علم أنهم لو نصروهم لولوا الأدبار وإنما قوله حتى يعلم ولما يعلم وليعلمن إنما يريد حتى يراه فيكون معلوما موجودا لأنه لا جائز أن يكون يعلم الشيء معدوما قبل أن يكون ويعلمه موجودا
كائنا فيعلم في وقت واحد أنه معدوم موجود أنه قد كان وأنه لم يكن بعد وهذا المحال
وإنما لم يجز أن يقال يعلم الله أن الشيء قد كان لأن الشيء لم يكن بعد فإن الله جل وعز لا يجوز أن يكون جاهلا به أنه سيكون وذلك موجود فينا ونحن جهال وعلمنا محدث قد علمنا أن كل إنسان ميت فكلما مات إنسان قلنا قد علمنا أنه قد مات من غير أن نكون قبل موته جاهلين أنه سيموت إلا أنا قد يحدث لنا العلم من الروية وحركة القلب إذا نظرنا إليه ميتا بأنه ميت
والله جل ذكره لا تحدث فيه الحوادث لأنا لم نجهل موت من مات أنه سيكون وكذلك علمنا أن النهار سيكون صبيحة ليلتنا ثم يكون فنعلم أنه قد كان من غير جهل منا تقدم أنه سيكون
فكيف بالقديم الأزلي الذي لا يكون موت ولا نهار ولا شيء من الأشياء إلا وهو يخلقه ونحن لا نخلق شيئا


الصفحة التالية
Icon