ولو كان كما زعم لكان قوله ويستغفرون لمن في الأرض خبرا منه أنهم يستغفرون لأهل الأرض كلهم من تاب منهم ومن لم يتب ثم رجع فقال إنما استغفروا للذين تابوا وليس كذلك ولكنه أخبر أولا بخبر كان ظاهره على العموم وهو خصوص ولم يرد أولا في خبره أنهم استغفروا لأهل الأرض كلهم ثم رجع فأخبر أنهم إنما استغفروا للتائبين دون غيرهم هم لم يستغفروا قط إلا للتائبين ولم يرد بخبره عنهم إلا التائبين ولكنه أخبر أولا وكان ظاهر خبره على العموم
وإنما أراد بقوله لمن في الأرض من التائبين ثم بين في الخبر الثاني من أراد لأن الله عز وجل لا جائز أن ينسخ الاستغفار للكافرين وقد أخبر أنه قال لا يغفر لهم أبدا فيكون قد أمرهم أن يستغفروا للكافرين ثم
نسخه بنهيه لهم فيدعوا الاستغفار لجميع الناس دون أن يستغفروا للمؤمنين بعد ذلك لأنه عز وجل يقول ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ولا يقدمون بين يدي الله ما لم يؤمروا به فيخالفوا محبة مولاهم فيسألوه أن يغفر للكافرين مع المؤمنين وقد أوجب ألا يغفر لهم أبدا وهو يخبر بأنهم لا يشفعون إلا لمن رضي شفاعتهم له ويمدحهم بذلك
فإن احتج محتج بأن إبراهيم عليه السلام قد استغفر لأبيه ومحمدا ﷺ لعمه حتى نهي فذلك إنما كان ابتلاء من محمد ﷺ حتى نهاه الله عز وجل لا أن الله تبارك وتعالى أمره أن يستغفر للمشركين ثم نسخه والملائكة لا جائز أن تبتدئ بما لم تؤمر به لأنه عز من قائل يقول ولا يشفعون إلا لمن ارتضى
فالناسخ والمنسوخ لا يجوز أن يكونا إلا في الأحكام في الأمر والنهي والحدود والعقوبات في أحكام الدنيا
ولا يكون ذلك بداوات من الله عز وجل ولا استفادة علم ولا رجوعا عن صدق بنسخ خبر ولا ابتداء بكذب ثم رجوعا إلى صدق جل وتعالى عن ذلك


الصفحة التالية
Icon