وقد تقدم جواب ذلك من أن المعنى : وإذا قيل لهم هذا اللفظ، ولا يجوز أن يكون « لهم » قائم مقام الفاعل إلاَّ في رأي الكوفيين والأخفش، إذ يجوز عندهم إقامة غير المفعول به مع وجوده.
وتلخصّ من هذا :
أنَّ جملة قوله :« لا تفسدوا » في مَحَلّ رفع على قول الزَّمخشري، ولا محلّ لها على قول أبي البَقَاءِ ومن تبعه، والجملة من قوله :« قيل » وما في حَيّزه في محل خفضٍ بإضافة الظرف إليه.
والعامل في « إذا » جوابها، وهو « قالوا »، والتقدير : قالوا « : إنما نحن مصلحون، وقت قول القائم لهم : لا تفسدوا.
وقال بعضهم : الذي نختاره أن الجُمْلَةَ الَّتي بعدها وتليها ناصبة لها، وأنَّ ما بعده ليس في مَحَلّ خَفْضٍ بالإضافة؛ لأنها أداة شرط، فحكمها حكم الظروف التي يُجَازى بها، فكما أنك إذا قلت :» متى تَقُمْ أَقُمْ « كان » متى « منصوباً بفعل الشرط، فكذلك إذا قال هذا القائل.
والذي يفسد مذهب الجمهور جواز قولك :» إذا قمت فعمرو قائم « ووقوع : إذا » الفُجَائية جواباً لها، وما بعد « الفاء ».
و « إذا » الفجائية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وهو اعتراض ظاهر.
وقوله :﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ « إنَّ » حرف مكفوف ب « ما » الزائدة عن العمل، ولذلك تليها الجملة مطلقاً، وهي تفيد الحَصْرَ عند بعضهم.
وأبعد من زعم أنّ « إنما » مركبة من « إنَّ » التي للإثبات، و « ما » التي للنفي، وأنّ بالتركيب حدث معنى يفيد الحَصْرَ.
واعلم أن « إن » وأخواتها إذا وَلِيْتَهَا « ما » الزائدة بطل عملها، وذهب اختصاصها بالأسماء كما مرَّ، إلا « لَيْتَ » فإنه يجوز فيها الوجهان سماعاً، وأنشدوا قول النابعة :[ البسيط ]
٢٠٠- قَالَتْ :
أَلاَ لَيْتَمَا هَذَا الحَمَامُ لَنَا | إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفهُ، فَقَدِ |
والتقدير : ألا ليت الذي هو [ هذا ] الحمام كَائِنٌ لنا، وهذا أولى من أن يدعي إهمالها، لأن المقتضى للإعمال -وهو الاختصاص- باقٍ.
وزعم بعضهم أنّ « ما » الزائدة إذا اتَّصلت ب « إنَّ » وأخواتها جاز الإعمال في الجميع.