قوله تعالى :﴿ الرحمن الرحيم ﴾
نَعْتٌ أوْ بَدَلٌ -وقرئا منصوبين، ومَرْفُوعَيْنِ، وتَوْجِيهُ ذلك ما ذكر في :﴿ رَبِّ العالمين ﴾، وتقدم الكلام على اشْتِقاقِهما في « البَسْمَلَةِ » فَأَغْنَى عن إِعَادَتِه.
قوله تعالى :﴿ مالك يَوْمِ الدين ﴾
يجوزُ أنْ يكونَ صِفَةً أيضاً، أوْ بَدَلاًَ، وإن كان البدلُ بالمشتقِّ قليلاً، وهو مُشْتَقٌّ من « المُلْك » -بفتح الميم- وهو : الشَّدُّ والرَّبْطُ، قال الشاعرُ في ذلك :[ الطويل ]
٤٩- مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا | يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا |
وقُرِىءَ :« مَالِك » بالألَفِ.
قال الأَخْفَش -رحمه الله تعالى- يُقال : مَلِك بَيَّنُ المُلْكِ -بضم الميم، و « مَالِك » من « المَلِكِ » بفتح الميم وكسرها.
ورُويَ ضمُّها -أيضاً- بهذا المعنى.
وروي عن العربِ :« لِي في هَذَا الوَادي مَلْكٌ ومُلْكٌ ومِلْكٌ » مُثَلَّثُ الفاء، ولكن المعروفَ الفرقُ بَيْنَ الأَلْفَاظِ الثَّلاثَةِ :
فالمفْتُوح : الشَّدُّ والرَّبْطُ.
والمضْمُومُ : هو القَهْرُ والتسلُّطَ على من يتأتّى منه الطَاعَةُ، ويكون باسْتِحْقَاقٍ وغَيْرِه، والمقصور : هو التَّسَلُّطَ عَلَى مَنْ يتأتّى منه الطاعة ومَنْ لا يتأتى منه، ولا يكونُ إلاَّ باستحقاقٍ؛ فيكونُ بَيْنَ المقصورِ والمضمُُومِ عمومٌ وخُصوصٌ من وجه.
وقال الرَّاغِبُ : المِلْكُ أي « بالكَسْرِ » كالجِنْسُ للملك، أي « بالضَّم » فكُلُّ مِلْكٍ « بالكسر » ملك، وليس كُلُّ ملكٍ مِلْكاً، فعلى هذا يكُونُ بينما عُمُومٌ وخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، وبهذا يُعْرَفُ الفرقُ بين ملك ومالك، فَإِنَّ ملكاً مأْخُوذَةٌ مِنَ المُلْكِ بالضمِ ومالِكا مأخوذ من المِلك « بالكَسْرِ » وقيل : إنَّ الفرقَ بينهما : أنَّ المَلِكَ : اسْمُ كُلِّ مَنْ يَمْلِكُ السياسة، إِمَّا في نَفْسِه، بِالتمكُّنِ مِنْ زمام ِ قواه وصرفها عَنْ هَوَاهَا.
وإِمَّا في نَفْسِهِ وفي غَيْرِهِ، سَوَاءٌ تولى ذلك أَوْ لَمْ يتولّ.
وقد رَجَّحَ كُلُّ فَرِيقٍ إِحْدَى القِرَائَتَيْنِ على الأُخْرَى تَرْجِيحاً يكادُ يسقط القِرَاءَاتِ الأُخْرَى، وهذا غَيْرُ مَرْضيٍّ؛ لأنَّ كِلْتَيْهِما مُتَوَاتِرةٌ، ويدلُّ على ذلك ما رُوِيَ عن ثَعْلَب -رحمه الله تعالى- أنه قال : إِذَا اخْتَلَفَ الإِعْرَابُ في القرآن عن السَّبعةِ، لم أُفَضِّلُ إِعْرَابَاً على إعراب في القرآنِ، فإذا خرجتُ إلى كلامِ الناسِ، فصَّلْتُ الأَقْوَى. نقله أَبُو عَمْرو الزّاهد في « اليَوَاقيت ».
قال أَبُو شَامَة -رحمه الله :- قَدْ أَكْثَر المُصَنِّفُونَ في القراءَات والتفاسِيرِ مِنَ التّرْجِيحِ بَيْنَ هَاتَيْنِ القِرَاءَتَيْنِ، حتى أن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، ولَيْسَ هذا بِمَحْمُودٍ بعد ثُبُوتِ القِرَاءَتَيْنِ، وصحَّةِ اتصافِ الربِّ -سبحانه وتعالى- بهما حتى إني أُصَلِّي بهذه في رَكْعَةٍ، وبهذه في رَكْعةٍ، ذكر ذلك عند قَوْلِهِ تعالى : مَالِك يَوْمِ الدِّين. وَرَوى الحُسَيْنُ بنُ عَليٍّ الجعفي، وعبدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيدٍ، عَنْ اَبِي عَمْروٍ :« مَلْكِ » بِجَزْمِ اللاَّمِ على النَّعْتِ أيضاً.