وقرأ الأَعْمَشُ، ومحمدُ بنُ السّمفيع، واَبُو عَبْد الملك قاضي الجُنْد :« مَالِكَ » بنصب الكاف على النِّداءِ. روي أن النبي ﷺ قال في بعض غزواته : يا مالك يوم الدين، وقُرىء بنصبِ الكَافِ من غير ألف النداء أيضاً، وهي قراءةُ عَطِيَّةَ بن قَيْس، وقرأ عَوْن العُقَيْلِيُّ بالأَلَف وَرَفْعِ الكَاف، على مَعْنَى :« هُوَ مَالِك ».
وقرأَ يَحْيَى بنُ يَعْمُر « مالك » بالإمالة والإضجاع البليغ. وقرأ أيُّوبُ السَّخْتيَانِيّ : بَيْنَ الإمَالةِ والتّفْخِيم، ورواها قُتَيْبَةُ عنِ الكِسَائي.
وقرأ الحَسَنُ « مَلَك يَوْمَ الدِّين » على الفِعْلِ، وهو اختيارُ أبِي حَنِيفَة -رضي الله تعالى عنه- ورُويتْ أيضاً عَنْ أَبِي حَيْوَة، ويَحيَى بن يعمر فمما رجحت به قراءة « مَالِكِ » أَنَّها أمْدَحُ؛ لعُمُوم إضافَتِه، إذ يُقالُ :« مَالِكُ الجِنِّ، والإِنْسِ، والطَّيْرِ » ولا يُقالُ :« مَلِك الطّيْرِ »، وأنشدوا على ذلك :[ الكامل ]

٥٠- سُبْحَانَ مَنْ عَنَتِ [ الوُجُوهُ ] لِوَجْهِهِ مَلِكِ المُلُوكِ وَمَالِكِ العَفْوِ
وقالُوا : فُلاَنُ مَالِك كَذَا، لِمَنْ يَمْلِكُه، بخلافِ مَلِك فَإِنَّهُ يُضَافُ إلى غَيرِ المُلُوكِ نحو :« مَلِكِ العَرَب، والعَجَمِ »، ولأَنَّ الزيادةَ في البناءِ تَدُّلُّ على الزيادةِ في المعنى، كما تقدم في « الرحمن » ولأنَّ ثواب تالِيها أَكثرُ من ثوابِ تَالِي « مَلِك ».
ومما رُجِّحَتْ به قراءَةُ « مَلِكِ » ما حكاه الفَارسيّ، عن ابن السّرَّاجِ، عَنْ بَعْضِهِم : أنه وصف [ نَفْسَه ] بِأنه مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ، بقوله :« رَبِّ العَالَمينَ »، فَلا فَائِدَةَ في قراءَةِ مَنْ قَرَأَ « مَالِكِ » ؛ لأنها تَكْرَارٌ.
قال أَبُو عَليٍّ : ولا حُجَّةَ فِيه؛ لأنَّ في التَّنْزِيلِ مِثْلهُ كَثِيرٌ، يَذْكُرُ العَامَُّ، ثُمَّ الخَاصُّ؛ نحو :﴿ هُوَ الله الخالق البارىء المصور ﴾ [ الحشر : ٢٤ ].
وقال حَاتم :« مَالِكِ » أَبْلَغُ في مَدْحِ الخَالِقِ، و « مَلِكِ » أَبْلَغ في مَدْحِ المَخْلُوقِ، والفرق بَيْنَهُمَا : اَنَّ المَالِكَ مِنَ المخلوقين قد يَكُونُ غيرَ مَلِكٍ، وإذا كَانَ اللهُ -تعالى- مَلِكاً كان مالكاً [ أيضاً ] واختاره ابنُ العَرَبيِّ.
ومِنْهَا : أَنَّها أَعَمُّ إذ تُضَافُ للملوكِ وغَيْرِ المَمْلوكِ، بخلاف « مَالِكِ » فإنه لا يُضَاف إلاَّ لِلْمملوكِ كما تقدم، ولإشْعَارِه بالكثرةِ، ولأنه تَمَدَّحَ تعالى -بقوله تعالى- « مَالِكِ المُلْكِ »، وبقوله تعالى :﴿ قُلِ اللهم مَالِكَ الملك ﴾ [ آل عمران : ٢٦ ]، ومَلِكق مأخوذٌ منه [ كما تقدّم، ولم يمتدح ب « مالك المِلْك » بكسر الميم الذي « مالك » مأخوذ منه ].
وقال قَوْمٌ :« مَعْنَاهُمَا : واحِدٌ؛ مثلُ : فَرِهين وفَارِهِين، وحَذِرِين وحَاذِرِين ».
ويُقالُ : المَلِكِ والمالِكِ : هو القَادِرُ على اختراع الأعيان من العَدَمِ إلى الوجود، ولا يَقْدِرُ عليه أحد غير الله تعالى. وجمع « مَالِكِ » : مُلاَّك ومُلَّك، وجَمْعُ « مَلِك » : أَمْلاَك ومُلُوك.
وقُرِىء :« مَلْك » بسكون اللاّم، ومنه قول الشاعر :[ الوافر ]


الصفحة التالية
Icon