و « يَمُدُّهُمْ » يتركهم ويُمْهِلُهُمْ، وهو في محل رفع أيضاً لعطفه على الخَبَرِ، وهو « يستهزىء ». و « يَعْمَهُونَ » في مَحَلِّ الحال من المفعول في « يَمُدُّهُمْ »، أو من الضمير في « طغيانهم »، وجاءت الحال من المُضّاف إليه؛ لأنَّ المُضّاف مصدر.
و « في طُغْيَانِهِم » يحتمل أن يتعلّق ب « يمدهم »، أو ب « يعمهون »، وقدّم عليه، إلاَّ إذا جعل « يعمهون » حالاً من الضَّمير في « طغيانهم »، فلا يتعلّق به حينئذ، لفساد المعنى.
وقد منع أبو البَقَاءِ أن يكون « في طغيانهم »، و « يعمهون » حَالَيْن من الضَّمير في « يمدهم » معللاً ذلك بأن العاملَ الواحدَ لا يعمل في حالين، وهذا على رأي من منع ذلك.
وأما من يجيز تعدُّد الحال مع عدم تعدُّد صاحبها فيجيز ذلك، إلاّ أنه في هذه الآية ينبغي أن يمنع من ذلك إلا ما ذكره أبو البَقَاءِ، بل لأن المعنى يأبى جَعْلَ هذا الجار والمجرور حالاً؛ إذ المعنى منصب على أنه متعلّق بأحد الفعلين، أعني :« يمدّهم »، أو « يعمهون » لا بمحذوف على أنه حال.
والمشهور : فتح « الياء » من « يمدهم ».
وقرىء شاذاً :« يُمِدُّهُمْ » بضم الياء.
فقيل : الثلاثي والرُّباعي بمعنى واحد تقول :« مدّه » و « أمدّه » بكذا.
وقيل :« مدّه » إذا زاده عن جِنْسِهِ، و « أمدّه » إذا أراد من غير جِنْسِهِ.
وقيل : مدّه في الشَّرِّ لقوله تعالى :﴿ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً ﴾ [ مريم : ٧٩ ]، وأمدّه في الخير لقوله تعالى :﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾ [ نوح : ١٢ ] ﴿ وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ ﴾ [ الطور : ٢٢ ]، ﴿ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الملاائكة ﴾ [ آل عمران : ١٢٤ ] إلا أنه يعكر على هذين الفرقين أنه قرىء :﴿ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي ﴾ [ الأعراف : ٢٠٢ ] باللغتين، ويمكن أن يُجَاب عنه بما ذكره الفارسي في توجيه ضم « الياء » أنه بمنزلة قوله تعالى :﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ ﴾ [ آل عمران : ٢١ ]، ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى ﴾ [ الليل : ١٠ ] يعني أبو علي -C- بذلك أنه على سبيل التهكُّم.
وأصل المدد الزيادة.
وقال الزمخشري : فإن قلت : لم زعمت أنه من المَدَد دون المَدّ في العُمُر والإمْلاء والإمْهَال؟
قلت : كفاك دليلاً على لك قراءة ابن كثير، وابن محيصن :« ويمدهم » وقراءة نافع :﴿ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ ﴾ [ الأعراف : ٢٠٢ ] على أنَّ الذي بمعنى أَمْهَلَ إنما هو مَدّ له ب « اللام » كأملى له.
والاستهزاء لغةً : السخرية واللّعب؛ يُقَال : هَزِئَ به، واستهزأ، قال :[ الرجز ]
٢١٢- قَدْ هَزِئَتْ مِنِّي أُمُّ طَيْسَلَهْ... قالَت : أَرَاهُ مُعْدِماً لاَ مَالَ لَهْ
وقيل : أصله الانتقام؛ وأنشد :[ الطويل ]
٢١٣- قَدِ اسْتَهْزَؤُوا مِنْهُمْ بِأَلْفَيْ مُدَجَّجِ | سَرَاتُهُمُ وَسْطَ الصَّحَاصِحِ جُثَّمُ |