﴿ وَلِلَّهِ المثل الأعلى ﴾ [ النحل : ٦٠ ] أي : الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة.
﴿ مَثَلُهُمْ فِي التوراة ﴾ [ الفتح : ٢٩ ] أي : وصفهم وشأنهم المتعجّب منه، ولكن المَثَل - بالفتح - ولذلك حوفظ في لفظه فلم يغير.
و « الذي » : في محلّ خفض بالإضافة، وهو موصول للمفرد المذكّر، ولكن المراد به- هنا - جمع ولذلك روعي مّعٍنَاه في قوله :﴿ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ ﴾ فأعاد الضمير عليه جمعاً، والأولى أن يقال : إنَّ « الذي » وقع وصفاً لشيء يفهم الجمع، ثم حذف ذلك الموصوف للدّلالة عليه.
والتقدير : ومثلهم كمثل الفريق الذي استوقد، او الجمع الذي اسْتَوْقَدَ؛ ويكون قد روعي الوصف مرة، فعاد الضمير عليه مفرداً في قوله :﴿ استوقد نَاراً ﴾ و « حوله »، والموصوف أخرى فعاد الضمير عليه مجموعاً في قوله :« بنورهم »، و « تركهم ».
وقيل : إنَّ المنافقين ذاتهم لم يشبهوا بذات المُسْتوقد، وإنما شبهت قصّتهم بقصّة المستوقد، ومثله قوله :﴿ مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار ﴾ [ الجمعة : ٥ ]، وقوله :﴿ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت ﴾ [ محمد : ٢٠ ].
وقيل : المعنى : ومثل كل واحد منهم كقوله :﴿ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ﴾ [ غافر : ٦٧ ] أي : يخرج كلّ واحد منكم. ووهم أبو البقاء، فجعل هذه الآية من باب ما حذفت منه النُّون تخفيفاً، وأنّ الأصْل :« الذين » ثم خففت بالحذف، وكأنه مثل قوله تعالى :﴿ وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا ﴾ [ التوبة : ٦٩ ]، وقول الشاعر :[ الطويل ].
٢٢٥- وَإِنَّ الَّذي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ | هُمُ القَمْمُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمُّ خَالِدِ |
وقال الزمخشري ما معناه : إنَّ هذه الآية مثل قوله تعالى :﴿ كالذي خاضوا ﴾ [ التوبة : ٦٩ ]، واعتل لتسويغ ذلك بأمرين.
أحدهما : أن « الذي » لما كان وصلةً لوصف المعارف ناسب حذف بعضه لاستطالته، قال :« ولذلك نهكوه بالحذف، فحذفوا ياءه ثم كسرته، ثم اقتصروا منه على اللاَّم في أسماء الفاعلين والمفعولين ».
والأمر الثاني : أنّ جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون، إنما ذلك علامةٌ لزيادة الدّلالة، ألا ترى أنَّ سائر المَوْصُولاَتِ لَفْظُ الجَمْعِ والمفرد التي نظر بها.
والوجه الثاني : أنه اعتقد كون الموصول بقيته « الذي »، وليس كذلك، بل « أل » الموصولة اسم موصول مستقلّ، أي : غير مأخوذ من شيء، على أنَّ الراجح من جهة الدَّليل كون « أل » الموصولة حرفاً لا اسماً كما سيأتي.