فَصْلٌ في بيان المعدوم شيء؟
استدلّ بعضهم بهذه الآية على أن المعدوم شيء، قال :« لأنه -تعالى- أثبت القدرة على الشيء، والموجود لا قدرة عليه؛ لاستحالة إيجاد الموجود، فالذي عليه القُدْرة معدوم وهو شيء، فالمعدوم شيء ».
والجواب : لو صَحَّ هذا الكلام لزم أنَّ ما لا يقدر عليه ألا يكون شيئاً، فالموجود إذا لم يقدر الله عليه وجب ألا يكون شيئاً.
فصل في بيان وصف الله تعالى بالشيء
قال ابن الخطيب : احتج جَهْمٌ بهذه الآية على أنه -تعالى- ليس بشيء لأنه -تعالى- ليس بمقدور له، فوجب إلاَّ يكون شيئاً، واحتج أيضاً بقوله تعالى :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [ الشورى : ١١ ].
قال :« لو كان الله -تعالى- شيئاً، لكان -تعالى- مثل نفسه، فكان قوله :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [ الشورى : ١١ ] كذب، فوجب ألا يكون شيئاً؛ حتى لا تتناقض هذه الآية ».
قال ابن الخطيب : وهذا الخلاف في الاسم؛ لأنه لا واسطة بين الموجود والمعدوم، قال : واحتج أصحابنا بقوله تعالى :﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله شَهِيدٌ ﴾ [ الأنعام : ١٩ ].
وبقوله :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [ القصص : ٨٨ ] والمستثنى داخل في المستثنى منه، فوجب أن يكون شيئاً.
فصل في أن مقدور العبد مقدور لله تعالى
قال ابن الخطيب : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن مقدور العبد مقدور لله تعالى، خلافاً لأبي هَاشِم وأبي عَلِيّ.
وجه الاستدلال : أن مقدور العَبْدِ شيء، وكلّ شيء مقدور لله -تعالى- بهذه الآية، فيلزم أن يكون مقدور العبد مقدوراً لله تعالى.
فصل في جواز تخصيص العام
تخصيص العام جائز في الجملة، وأيضاً تخصيص العام بدليل العقل، فإن قيل : إذا كان اللَّفظ موضوعاً للكل، ثم تبين أن الكل غير مراد كان كذباً، وذلك يوجب الطَّعن في كلّ القرآن.
والجواب : أن لفظ « الكُلّ » كما أنه يستعمل في المجموع، فقد يستعمل مجازاً في الأكثر، وإذا كان ذلك مجازاً مشهوراً في اللَّغة لم يكن استعمال اللفظ فيه كذباً، والله أعلم.