[ نوح : ١٦ ] وبالشمس :﴿ وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً ﴾ [ نوح : ١٦ ].
وبالعرش، وبالكرسي، وباللوح المحفوظ، وبالقلم، فهذه السَّبعة ثلاثة منها ظاهرة، وأربعة مثبتة بالدلائل السَّمعية.
الثاني : انه -تعالى- سمّاها بأسماء تدلّ على عظم شانها سماء، وسقفاً محفوظاً، وسبعاً طباقاً، وسبعاً شداداً، ثم ذكر عاقبة أمرها فقال :﴿ وَإِذَا السمآء فُرِجَتْ ﴾ [ المرسلات : ٩ ]، ﴿ وَإِذَا السمآء كُشِطَتْ ﴾ [ التكوير : ١١ ]، ﴿ إِذَا السمآء انفطرت ﴾ [ الانفطار : ١ ]، و ﴿ إِذَا السمآء انشقت ﴾ [ الانشقاق : ١ ]، ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السمآء كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٤ ]، ﴿ تَكُونُ السمآء كالمهل ﴾ [ المعارج : ٨ ]، ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السمآء مَوْراً ﴾ [ الطور : ٩ ]. ﴿ فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان ﴾ [ الرحمن : ٣٧ ].
وذكر مبدأها فقال :﴿ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ ﴾ [ فصلت : ١١ ] وقال :﴿ أَوَلَمْ يَرَ الذين كفروا أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ [ الأنبياء : ٣٠ ] فهذا الاستقصاء والتشديد في كيفية حدوثها وفنائها يدلُّ على أنه -سبحانه وتعالى- خلقها لحكمة بالغة على ما قال :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾ [ ص : ٢٧ ].
الثَّالث : أنه -تعالى- جعل السَّماء قِبْلَةَ الدعاء، فالأيدي تُرفع إليها، والوجوه تتوجّه نحوها، وهي منزل الأنوار، ومحل الضياء والصّفاء، والطهارة، والعصمة من الخلل والفَسَاد.
والبناء : مصدر « بنيت »، وإنما قلبت « الياء » همزة لتطرُّفها بعد ألف زائدة، وقد يراد به المفعول، و « أنزل » عطف على « جعل » و « من السماء » متعلّق به، وهي لابتداء الغاية، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أن تكون حالاً من « ما » ؛ لأن صفة النكرة إذا قدمت عليها نصيب حالاً، وحينئذ معناها التبعيض، وثَمَّ مضاف محذوف أي : من مياه السماء ماء.
وأصل « ماء » موه بدليل قولهم :« مَاهَتِ الرَّكِيَّةُ تَمُوهُ » وفي جمعه مياه وأمواه، وفي تصغيره : مويه، فتحركت « الياء » وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، فاجتمع حرفان خفيفان :« الأف » و « الهاء »، فأبدلوا من « الهاء » أختها وهي الهمزة؛ لأنها أجلد منها.
فإن قيل : كيف قال :﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً ﴾ [ البقرة : ٢٢ ] وإنما ينزل من السَّحاب؟ فالجواب أن يقال : ينزل من السَّماء إلى السحاب، ومن السحاب إلى الأرض.
فَصْلٌ في أوجه ورود لفظ الماء
قال أبو العباس المقري : ورد لفظ الماء في القُرْآن على ثلاثة أوجه :
الأوّل : بمعنى الماء المُطْلَق كهذه الآية.
الثاني : بمعنى النّطفة. قال تعالى :﴿ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ ﴾ [ الطارق : ٦ ].
وقوله :﴿ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾ [ السجدة : ٨ ].
الثالث : بمعنى القرآن. قال تعالى :﴿ أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ [ الرعد : ١٧ ] بمعنى القرآن، احتمله الناس على قَدَرٍ.
قوله :« فاخرج » عطف على « أنزل » مرتب عليه، و « به » متعلق به، و « الباء » فيه للسببية، و « من الثمرات » متعلّق به أيضاً، و « من » هنا للتبعيض، كأنه قصد بتنكير الماء والرزق معنى البعضِيّة، كأنه قيل : وأنزل من السماء بعض الماء، فأخرج به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم؛ إذ ليس جميع رزقهم هو بعض الثمرات، إنما ذكر بعض رزقهم.