وقيل : اشتقاقها من سُور البناء؛ لأنها تحيط بقارئها، وتحفظه كَسُورِ المدينة، ولكنّ جَمْعَ سُورةِ القرآن سُوَر بفتح الوَاوِ، وجَمْعَ سُورةِ البناء سُوْر بسكونها، ففرقوا بينهما في الجمع.
فإن قيل : ما فائدةُ تقطيع القُرْآن سُوَراً؟
قلنا : وجوه :
أحدها : ما لجله بوب المصنِّفون كتبهم أبواباً وفصولاً.
وثانيها : أن الجنس إذا حصل تحته كان إفراد كل نوع من صاحبه أحسن.
وثالثها : أنّض القارئ إذا ختم سورة، أو باباً من الكتاب، ثم أخذ في آخر كان أنشط له، كالمسافر إذا علم أنه قطع ميلاً أو طوى فرسخاً نشطه للمسير.
فَصْلٌ في بيان أن ترتيب القرآن توقيفي
قال ابن الخطيب : قوله :« فأتوا بسورة » يدلُّ على أن القرآن وما هو عليه من كونه سوراً هو على حدّ ما أنزله الله -تعالى- بخلاف قول كثير من أهل الحديث، أنه نظم على هذا الترتيب في أيام عثمان، فلذلك صحّ التحدّي بالقرآن على وجوه :
أحدها : قوله :﴿ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى ﴾ [ القصص : ٤٩ ].
وثانيها : قوله :﴿ قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ [ الإسراء : ٨٨ ].
وثالثها : قوله :﴿ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾ [ هود : ١٣ ].
ورابعها : قوله :﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٣ ]، ونظير هذا لمن يتحدّى صاحبه فيقول : ائتني بمثله، ائتني بنصفه، ائتني بربعه، ائتني بمسألة مثله، فإن هذا هُوَ النّهاية في التحدّي، وإزالة لعُذْر.
قوله :﴿ مِّن مِّثْلِهِ ﴾ في الهاء ثلاثة أقوال :
أحدهما : أنها تعود على « ما نَزَّلنا » عند الجمهور كعمرو، وابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد، وغيرهم، فيكون « من مثله » صفة ل « سورة »، ويتعلّق بمحذوف على ما تقرر : أي بسورة كائنة من مثل المنزل في فصاحته، وإخباره بالغيوب، وغير ذلك، ويكون معنى « من » التبعيض.
واختار ابن عطية والمَهْدَويّ أن تكون للبيان، وأجازا هما وأبو البقاء أن تكون زائدة ولا تجيء إلاَّ على قول الأخفش.
الثاني : أنها تعود على « عَبْدنا » فيتعلّق « من مثله » ب « أتوا »، ويكون معنى « من » ابتداء الغاية، ويجوز على هذا الوجه أيضاً أن تكون صفة لسورة أي :« بسورة كائنة من رجل مثل عبدنا أمي لا يقرأ ولا يكتب ».
قال القرطبي : و « من » على هذين التأويلين للتبعيض.
الثالث : قال أبو البقاء :« إنها تعود على الأنداد بلفظ المفرد كقوله :﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ ﴾ [ النحل : ٦٦ ] ولا حاجة تدعو إلى ذلك، والمعنى يأباه أيضاً.
قال القرطبي : وقيل : يعود على التوراة والإنجيل، والمعنى : فأتوا بسورة من كتاب مثله؛ فإنها تصدِّق ما فيه، والوقف على » مثله « ليس بتام؛ لن » وادعوا « نسق عليه.