إِيَّاكَ : كلمة ضمير خُصَّت بالإضافةِ إلى المُضْمَر، ويُسْتَعْمل مقدماً على الفعل، وإيَّاكَ أَسْأَلُ؛ ولا يُسْتَعْمَلُ مؤخراً إلاّ منفصلاً؛ فيُقال، ما عنيتُ إلاَّ إِيَّاكَ.
وهو مفعولٌ مُقَدَّمٌ على « نعبد » قدِّم للاختصاصِ، وهوَ واجِبُ الانفصالِ.
واخْتَلَفُوا فيه : هَلْ هو مِنْ قَبِيل الأسماءِ الظاهرة أو المضمرة؟ فالجمهورُ : على أنه مُضْمَرٌ.
وقال الزَّجَّاجُ رحمه الله تعالى : هو اسمٌُ ظاهر.
والقَائِلُون بأَنَّهُ ضميرٌ اخْتَلَفُوا فيه على أربَعةِ أقوالٍ :
احدُهما : أنه كلمةُ ضَمِيرٍ.
والثاني : عَلَى أَنَّ « إِيَّا » وَحْدَهُ ضَمِيرٌ، وما بَعْدَهُ اسمٌ مُضَافٌ إليه يبيّن ما يُرادُ به [ من تكلّم وغيبة وخطاب ].
وثَالِثُها : أَنَّ « إِيَّا » وحده ضميرٌ، وما بعده حُرُوفٌ تبين ما يُرادُ به [ من تكلم وغيبة وخطاب ].
ورابعُها : أَنَّ « إيَّا » عمادٌ وما بعده هو الضميرُ، وشذّت إضافته إلى الظاهِرِ في قولِهِم :« إذا بلغ الرَّجُلُ السِّتِّينَ، فإياه وإيَّايَ الشَّواب » بِإضَافَةِ « إيَّا » إلى « الشواب »، وهذا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ جَعَلَ الكَافَ، والهاء، والياء في محلّ جر، إِذا قُلْتَ :« إِيَّاكَ إِيَّاه إِيَّايَ » وقد اَبْعَدَ بعضُ النَّحوِيِّينَ، فجعل له اشْتِقَاقَا، ثمَّ قال : هَلْ هو مشتقٌّ من « أَوَّ » ؛ كقول الشاعر في ذلك :[ الطويل ]
٦٢- فَأوِّ لِذِكْرَاهَا إِذَا ما ذَكَرْتُهَا | .................. |
٦٣- لَمْ يُبْقِ هَذَا الدَّهْرُ مِنْ آيَائِهِ... وهل وَزْنُه :« إفْعَل، أو فَعِيل، أو فَعُول » ثم صَيَّره التصريفُ إلى صِيغةِ « إيَّا؟ وهذا الذي ذكره لا يُجْدِي فائدةً، مع أنَّ التصريفَ والاشتقاق لاَ يَدْخُلان في المتوغِّل في البناءِ وفيه لُغاتٌ : أَشْهَرُها : كَسْرُ الهمزةِ، وتَشْدِيدُ اليَاءِ، ومنها، فَتْحُ الهمزةِ وإبدالها هاء مع تشديدِ الياءِ وتَخْفِيفها؛ قال الشَّاعر :[ الطويل ]
٦٤- فَهِيَّاكَ وَالأَمْرَ الَّذي إِن الَّذِي إِنْ تَرَاحَبَتْ | مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عَلِيْكَ مَصَادِرُهْ |
٦٥- سَقَتْهُ إِيَاءُ الشَّمسِ إِلاَّ لِثَاتِه | أُسِفَّ فَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإثْمِدِ |
وللضَّمائِرِ تَقسيمٌ مُتَّسِعٌ لا يحتمله هذا الكتاب، وإنما يأتي في غُضُونِه ما يليقُ به.
و » نَعْبُدُ « فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ؛ لتجردِه من الناصبِ والجازِم، وقيل : لوقوعِه موقعَ الاسمِ، وهذا رأيُ البصريين.
ومعنى المضارع المشابه، يعني : أنه أشبه الاسمَ في حركاتِهِ، وسكناتِهِ، وعدَدَ حُرُوفِهِ، ألاَ تَرَى أَنَّ » ضَارِباً « يُشْبِهُ » يَضْرِب « فيما ذكرت، وأنه يشيع ويختصُّ في الأزمانِ كما يشيعُ الاسمُ، ويختص في الأَشْخاصِ، وفَاعِلُهُ مستترٌ وُجُوباً لما مرَّ في الاستعاذة.