وقال الومخشري :« لو لم يعدل من لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل، لاسْتُطِعَ ان يقال : فإن لم تأتوا بسورة من مثله، ولن تأتوا بسورة من مثله ».
قال أبو حيان :« ولا يلزم ما قال؛ لأنه لو قال :» فإن لم تأتوا ولن تأتوا « كان المعنى على ما ذكر، ويكون قد حذف ذلك اختصاراً، كما حذف اختصاراً مفعول » لم تفعلوا، ولن تفعلوا « ألا [ ترى ] أن التقدير : فإن لم تفعلوا الإتيان بسورة من مثله، ولن تفعلوا الإتيان بسورة من مثله؟ ».
فإن قيل : كيف دخلت « إن » على « لم » وللا يدخل عامل على عامل؟
فالجواب : أنَّ « إنْ » ها هنا غير عاملة في اللفظ، ودخلت على « لم » كما تدخل على الماضي، لأنها لا تعمل في « لم » كما لم تعمل في الماضي، فمعنى « إن لم تفعلوا » إن تركتم الفعل.
و « لَنْ » حرف نصف معناه نفي المستقبل، ويختص بصيغة المضارع ك « لَمْ » ولا يقتضي نفيُهُ التَّأبيدَ، وليس أقلَّ مدة من نفي « لاَ »، ولا نونُه بدلاً من ألف « لاَ »، ولا هو مركَّباً من « لاَ أَنْ » ؛ خلافاً للخليل، وزعم قومٌ أنها قد تجزم، منهم أبو عُبَيْدَة؛ وأنشدوا :[ الخفيف ]
٢٩٥- لَنْ يَخِبِ الآنَ مِنْ رَجَائِكَ مَنْ حَرْ | رَكَ مشنْ دُونِ بَابِكَ الحَلْقَهْ |
وقال النابغة :[ البسيط ]
٢٩٦-........................ | فَلَنْ أُعْرِّضْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ بِالصَّفَدِ |
ويمكن تأويل ذلك بأنه مما سُكِّن فيه للضَّرورة.
قوله تعالى :
﴿ فاتقوا النار ﴾ هذا جواب الشرط كما تقدم، والكثير في لغة العرب :
« اتَّقَى يَتَّقِي » على افْتَعَلَ يَفْتَعِلُ، ولغى
« تميم » و
« أسد » تَقَى يَتْقِي : مثل : رَمَى يَرْمِي، فيسكنون ما بعد حرف المضارعة؛ حكى هذه اللغة سيبويه، ومنهم من يحرك ما بعد حرف المضارعة؛ وأنشدوا :[ الوافر ]
٢٩٧- تَقُوهُ أَيُّهَا الفِتْيَانُ إنِّي | رَأَيْتُ اللهَ قَدْ غَلَبَ الجُدُودَا |
وقال آخر :[ الطويل ]
٢٩٨-...................... | تَقِ اللهَ فِينَا وَالكِتَابَ الَّذِي تَتْلُو |
قوله تعالى :
﴿ النار ﴾ مفعول به، و
« الَّتي » صفتها، وفيها أربعُ اللغات المتقدِّمة، كقوله :[ الكامل ]
٢٩٩- شُغِفَتْ بِكَ اللَّتْ تَيَّمَتْكَ فَمِثْلُ مَا | بِكَ مَا بِهَا مِنْ لَوعَةٍ وَغَرَامِ |
وقال آخر :[ الوافر ]
٣٠٠- فَقُلْ لِلَّتْ تَلُومُكَ إنَّ نَفْسِي | أَرَاهَا لا تُعَوَّذُ بَالتَّمِيمِ |
و
« وقودها النَّاس والحجارة » جملة من مبتدأ وخبر، صلة وعائد، والألف واللام في
« النار » للعهد.
فإن قيل : الصِّلة مقررة، فيجب أن تكون معلومةً فكيف علم أولئك أن نار الآخرة توقد بالناس والحجارة؟
والجواب : لا يمتنع أن يتقدّم لهم بهذه الصّلة معهودة عند السامع بدليل قوله تعالى :
﴿ فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى ﴾ [ النجم : ١٠ ] وقوله :
﴿ إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى ﴾ [ النجم : ١٦ ] وقوله :
﴿ فَغَشَّاهَا مَا غشى ﴾ [ النجم : ٥٤ ] وقال :