روى مسلم عن العباس بن عبد المطّلب -Bه- قال : قلت : يا رسول الله، إنّ أبا طالب كان يحوطك وينصرك، فهل ينفعه ذلك؟ قال :« نعم، وَجَدْتُهُ في غَمَرَاتٍ من النَّارِ فأخرجته إلى ضَحْضَاحٍ ».
وفي رواية :« ولَوْلاَ أَنَا لكان في الدَّرَكِ الأَسْفَلِ من النار » ويدلُّ على هذا التأويل قوله :﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾.
وقال ابن الخطيب : وليس فيها ما يدلُّ على أنه ليس هناك نيران أخر غير موصوفة بهذه الصِّفة، معدّة لفساق أهل الصلاة.
قوله تعالى :﴿ أُعِدَّتْ ﴾ فعلٌ لما لم يسمَّ فاعلُهُ، والقائم مقام الفاعل ضمير « النَّارِ »، والتاء واجبةٌ، لأن الفعل أسند إلى ضمير المؤنَّث، ولا يلتفتُ إلى قوله :[ المتقارب ]

٣٠٤- فَلاَ مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ إبْقَالَهَا
لأنه ضرورة؛ خلافاً لابن كَيْسَان.
و « للكافرين » متعلّق به، ومعنى « أُعِِدَّتْ » : هُيِّئَتْ؛ قال :[ مجزوء الكامل ]
٣٠٥- أَعْدَدَتُ لِلْحَدَثَانِ سَا بِغَةً وَعَدَّاءً عَلَنْدَى
وقرئ :« أُعْتِدَتْ » من العَتَاد بمعنى العدة، وهذه الجملة الظاهر انها لا محلّ لها، لكونها مستأنفة جواباً لمن قال : لمن أعدت؟
وقال أبو البَقَاء : محلها النصب على الحال من « النار »، والعامل فيها « اتقوا ».
قيل : وفيه نظر، فإنها معدة للكافرين اتقوا أم لم يتقوا، فتكون حالاً لازمة، لكن الأصل في الحال التي ليست للتوكيد أن تكون منتقلة، فالأولى أن تكون استئنافاً.
قال أبو البقاء : ولا يجوز أن تكون حالاص من الضمير في « وقودها » لثلاثة أشياء :
أحدها : انها مضاف إليها.
الثاني : أن الحطب لا يعمل يعني أنه اسم جامد.
الثالث : الفصل بين المصدر أو ما يعمل عمله، وبين ما يعمل فيه الخبر وهو « الناس »، يعني أن الوقود بالضم، وإن كان مصدراً صالحاً للعمل، فلا يجوز ذلك أيضاً؛ لأنه عامل في الحال، وقد فصلت بينه وبينها بأجنبي، وهو « الناس » وقال السّجستاني :« أعدّت للكافرين » من صلة « التي » كقوله :﴿ واتقوا النار التي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [ آل عمران : ١٣١ ].
قال بان الأنْبَاري : وهذا غلطاً؛ لأنا لا نسلم أن « وقودها الناس » -والحالة هذه- صلة، بل إما معترضة، لأن فيها تأكيداً وإما حالاً، وهذان الوجهان لا يمنعهما معنى، ولا صناعة.


الصفحة التالية
Icon