ولا يجوز تقديم خبر « أنَّ وأخواتها إلاَّ ظرفاً أو حرف جرٍّ، و » أنَّ « وما في حيِّزها في محل جرٍّ عند الخليل والكسائي، ونصب عند سيبويه والفرَّاء؛ لأنَّ الأصل : وبَشِّرِ الذين آمنوا بأنَّ لهم، فحذف حرف الجرِّ مع » أنَّ «، وهو حذفٌ مطَّرِدٌ معها، ومع » أنَّ « الناصبة للمضارع، بشرط أَمْنِ اللَّبْسِ، بسبب طولهما بالصلةِ، فلمَّا حُذِفَ حرفُ الجرَِّ، جرى الخلافُ المذكورُ، فالخليلُ والكسائيُّ يقولان :» كأنَّ الحرف موجود، فالجرُّ بَاقٍ «.
واستدلَّ الأخفشُ لهما بقول الشاعر :[ الطويل ]٣١١- وَمَا زُرْتُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ حَبِيبَةً | إِلَيَّ وَلاَ دَيْنٍ بِهَا أَنَا طَالِبُهْ |
فَعَطْفُ » دَيْنٍ « بالجرِّ على محلِّ » أنْ تَكُونَ « يُبَيِّنُ كونَها مجرورةً.
قيل :» ويحتملُ أن يكون من باب عطفِ التَّوَهُّمِ، فلا دليل فيه «.
والفرَّاءُ وسيبويه يقُولاَن : وجَدْنَاهُمْ إذا حذفوا حرفَ الجرِّ، نَصَبُوا؛ كقولِهِ :[ الوافر ]٣١٢- تَمُرُّونَ الدِّيَارَ وَلَمْ تَعُوجُوا | كَلاَمُكُمْ عَلَيَّ إِذَنْ حَرَامُ |
أي : بالدِّيار، ولا يجوزُ الجَرُّ إلاَّ في نادرِ شِعْرٍ؛ كقوله :[ الطويل ]
٣١٣- إِذَا قِيلَ : أيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ؟ | أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالأَكُفِّ الأَصَابِعُ |
أي : إلى كُلَيْبٍ؛ قول الآخر :[ الكامل ]٣١٤-............................ | حَتًَّى تَبْذَّخَ فَارْتَقَى الأعْلاَمِ |
أي : إلى الأَعْلاَم.
و » الجَنَّةُ « : البُسْتَانُ.
وقيل : الأرضُ ذات الشَّجرِ، سمّيت بذلك لسترها من فيها، ومنه » الجَنِينُ « لاستتاره، و » المِجَنُّ « : التُّرْسُ، وكذلك » الجُنَّةُ « لاستتارهم عن أَعْيُنِ النَّاسِ.
قال الفرَّاءُ :» الجنَّةُ « ما فيه النخيل، و » الفردوس « : ما فيه الكرم.
فإن قيل : لم نُكِّرت » الجنَّاتُ « وعُرِّفت » الأنهار « ؟ فالجواب : أنَّ » الجنَّة « اسم لدار الثَّواب كلها، وهي مشتملةٌ على جنّات كثيرة مُرَتَّبةٌ مراتبَ على استحقاقات العاملين، لكل طبقةٍ منهم جنةٌ من تلك الجنَّات.
وأمَّا تعريف » الأنهار «، فالمرادُ به الجنس، كما يقال : لفلان بستانٌ فيه الماء الجاري والتين والعنب، يشيرُ إلى الأجناس التي في علم المخاطب، أو يشار باللام إلى أنهاٍ مذكورةٍ في قوله :﴿ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾ [ محمد : ١٥ ].
قوله :﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ هذه الجملة في محلّ نصبٍ، لأنَّها صفةٌ ل » جنَّات «.
و » تَجْري « مرفوع لتجرُّدِه من الناصب والجازم، وعلامةُ رفعه ضمّةٌ مقدرةٌ في » الياء « استثقالاً، وكذلك تقدَّرُ في كُلٍِّ فَعْلٍ مُعْتَلٍّ نحو :» يَدْعو «، و » يَخْشَى «، إلاَّ أنَّها تُقَدَّرُ في » الأَلِفِ « تعذُّراً.
» من تحتها « أي : من تحت أَشْجَارها ومساكنها.
وقيل : من تحتها أي : بأمرهم.
كقول فرعون :﴿ تَجْرِي مِن تحتيا ﴾ [ الزخرف : ٥١ ] أي : بأمري.