[ النساء : ١٣٥ ] ويعني بقوله :« انطوى تحته ذِكْرُ ما رُزُِقوه في الدَّارَيْنِ » اَنَّهُ لَمَّا كان التقديرُ : مِثْلَ الَّذي رُزِقْناه كان قد انطوى على المرزوقين معاً، كما أنَّ قَوْلَكَ :« زَيْدٌ مثلُ حاتمٍ » مُنْطَوٍ على زيدٍ وحاتمٍ.
قال أبو حيَّان :« وما قاله غيرُ ظاهرٍ؛ لأنَّ الظاهِرِ عَوْدُه على المرزوقِ في الآخرة فقط؛ لأنَّه هو المُحَدّثُ عنه، والمشبَّهُ بِالَّذِي رُزقوه من قبلُ، لا سيما إذا فسِّرت القبلية بما في الجنَّةِ، فَإِنَّهُ يتعيّنُ عَوْدُ على المرزوق في الجنَّةِ فقط، وكذلك إذا أعربت الجملة حالاً؛ إذ يصير التقديرُ : قالوا : هذا الذي رُزِقْنَا من قَبْلُ وقد أتوا به؛ لأنه الحامل لهم على هذا القول، كأنَّه أُتُوا به مُتَشَابِهاً وعلى تقدير أن يكون معطوفاً على قالوا، لا يَصِحُّ عوده على المرزوق في الدَّارين؛ لأن الإتيان إذ ذاك يستحيل أن يكون ماضياً معنىً؛ لأنَّ العامل في » كُلَّما « أو ما في حيزها يحتمل هُنا أن يكون مستقبل المَعْنَى؛ لأنها لا تخلو من معنى الشرط، وعلى تقدير كونها مستأنفة لا يظهر ذلك أيضاًً، لأنَّ هذه محدَّث بها عن الجَنَّةِ وأحوالها ».
قوله :﴿ مُتَشَابِهاً ﴾ حالٌ من الضَّمير في « به »، أي : يشبه بعضه في المنظر، ويختلف في الطعمِ، قاله بان عبَّاس ومجاهد، والحسن وغيرهم رضي الله -تعالى- عنهم.
وقال عكرمة :« يُشْبِهُ ثَمَرَ الدُّنيا، ويباينه في جل الصَّفات ».
قال ابن عبَّاس :« هذا على وَجْه التَّعَجُّبِ، وليس في الدُّنْيَا شيءٌ مما في الجَنَّةِ سِوَى الأسماء، فكأنَّهم تَعَجَّبُوا لِمَا رأوه من حُسْنِ الثَّمَرَةِ، وعِظم خالقها ».
وقال قتادةُ :« خياراً لا رَذلَ فيه، كقوله تعالى :﴿ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ﴾ [ الزمر : ٢٣ ] وليس كثمار الدنيا التي لا تتشابه؛ لأنَّ فيها خياراً وغير خِيَار ».
قوله :﴿ وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ﴾ « لهم » خبر مُقَدَّم، وأزواج مبتدأ، و « فيها » متعلّق بالاستقرار الذي تعلّق به الخبر.
قال أبو البقاء :« لا يكون فيها الخبر، لأنَّ الفائدة تقل؛ إذ الفائدة في جَعْلِ الأَزواج لهم ».
وقوله :« مُطَهَّرةٌ » صفة، وأتى بها مفردة على حدِّ : النساءِ طَهُرَتْ ومنه بيت الحماسة :[ الكامل ]

٣١٩- وَإِذَا العَذَارَى بَالدُّخَانِ تَلَفَّعَتْ وَاسْتَعْجَلَتْ نَصْبَ القُدُورِ فَمَلَّتِ
وقرأ زيد بن عليّ :« مُطَهَّراتٌ » على حَدِّ : النساءُ طَهَرْنَ.
وقرأ عبيد بن عمير :« مُطَهَّرة » يعني : متطَهِّرة.
والزوج ما يكون معه آخر، ويقالُ زوج للرَّجل والمرأة، وأمَّا « زَوْجَةٌ » فقليلٌ. قال الأَصْمَعِيُّ : لا تكاد العربُ تقول : زوجة، ونَقَلَ الفرّاءُ أنّها لغة « تميم »، وأنشد للفرزدق :[ الطويل ]
٣٢٠- وَإِنَّ الَّذِي يَسْعَى لِيُفْسِدَ زَوْجَتِي كَسَاعٍ إلَى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَبِيلُهَا
وفي الحديث عن عمَّار بن ياسرِ في حقِّ عائشة رضي الله عنهما :« إنِّي لاَعْلَمْ أنَّها زَوْجَتَهَ في الدُّنيا والآخرة »


الصفحة التالية
Icon