فَصْلٌ في إعراب الآية
قوله :« لا يَستَحيي » جملة في محلِّ الرفع خبراً ل « أن »، واستفعل هنا للإغناء عن الثُّلاثي المجرّد.
وقال الزمخشري :« إنَّه مُوَافق له أي : قد ورد » حَيي «، و » استَحْيى « بمعنى واحد، والمشهور : اسْتَحْيَى يَسْتَحْيي فهو مستحيٍ ومُسْتَحْيىً منه من غير حَذْف ».
قال القرطبي :« ويستحيي » أصله يَسْتَحْييُ عينه ولامه حرفا علة أعلّت « اللام » منه بأن استثقلت الضمةُ على « الياء » فسكنت، والجمعُ مستحيون ومستحيين، وقد جاء استحى يستحي فهو مستح مثل : اسْتَقَى يَسْتَقِي.
وقرأ به ابن محيصن.
ويروى عن ابن كثير، وهي لغة « تميم » و « بكر بن وائل »، نقلت فيها حركة الياء الأولى إلى « الحاء » فسكنت، ثم استثقلت الضَّمة على الثانية، فسكنت، فحذف إحداهما للالتقاء، والجمعُ مستحون ومستحين، قاله الجوهري.
ونقل بعضهم أن المحذوف هنا مختلفٌ فيه؛ فقيل : عينُ الكلمة، فوزنُه يَسْتَفِل.
وقيل : لامُه، فوزنه يَسْتَفِع، ثُمَّ نُقِلت حركةُ اللاَّم على القول الأوّل، وحركةُ العَيْن على القول الثاني إلى الفاء، وهي الحاء؛ ومن الحذف قولُه :[ الطويل ]
٣٢٣- ألا تَسْتَحِي مِنَّا المُلُوكُ وَتَتَّقِي | مَحَارِمَنا لاَ يَبُؤِ الدَّمُ بِالدَّمِ |
٣٢٤- إذا ما اسْتَحَيْنَ المَاءَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ | كَرَعْنَ بِسبْتٍ في إِنَاءٍ مِنَ الوَرْدِ |
إذا ما استحين الماء..
واستحييت منه؛ وعليه :
أَلاّ تستحي مِنَّا الملوك..
فيحتمل أن يكون قد تعدَّى في هذه الآية إلى أن يضرب بنفسه، فيكون في محل نصب قولاً واحداً، ويحتمل أن يكون تَعَدَّى إليه بحرف المحذوف، وحينئذٍ يجري الخلافُ المتقدّم في قوله :« أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ».
و « يَضْرِب » معناه : يُبَيِّنُ فيتعدَّى لواحدٍ.
وقيل : معناه التصييرُ، فيتعدّى لاثنين نحو :« ضَرَبْتُ الطِّينَ لَبِناً ».
وقال بعضهم :« لا يتعدَّى لاثنين إلاَّ مع المثل خاصة »، فعلى القول الأوّلِ يكونُ « مَثَلاً » مفعولاً و « ما » زائدة.
وقال أبو مسلم الأصفهاني :« معاذ الله أنْ يكون في القرآن زيادة ».
وقال ابن الخطيب : والأصح قول أبي مُسْلِمِ؛ لأن الله -تعالى- وصف القرآن بكونه : هدى وبَيَاناً، وكونه لَغْواً ينافي ذلك، فعلى هذا يكون « ما » صفة للنكرة قبلها، لتزداد النكرة اتساعاً. ونظيره قولهم :« لأَمْرٍ مَّا جَدَعَ قَصيرٌ أَنْفُهُ » وقولُ امرئ القيس :[ المديد ]
٣٢٥- وَحَدِيثُ الرَّكبِ يَوْمَ هُنَا | وَحَدِيثٌ مَّا عَلَى قِصَرِهْ |