والثاني : أن تكون « ما » استفهاميةً و « ذا » بمعنى الَّذِي، والجملةُ بعدها صلةٌ، وعائدها محذوفٌ، والأجودُ حينئذٍ أن يرفع ما أجيبَ به أو أُبْدِلَ منه؛ كقوله :[ الطويل ]

٣٣١- لاَ تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلاَلٌ وَبَاطِلُ
ف « ذا » هنا بمعنى الذي؛ لأنه أُبْدِلَ منه مرفوعٌ، وهو « أَنْحبٌ »، وكذا ﴿ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو ﴾ [ البقرة : ٢١٩ ] في قراءة أبي عمرو.
والثالث : أن يُغَلَّبَ حكم « ما » على « ذا » فَيُتْرَكَا، ويصيرا بمنزلة اسمٍ واحدٍ، فيكون في محلِّ نصبٍ بالفِعْلِ بَعْدَهُ، والأجودُ حينئذٍ أن يُنْصبَ جوابُه والمبدلُ منه كقوله :« مَاذَا يُنْفِقُونَ قلِ : الْعَفْوَ » في قراءة غير أبي عمرو، و ﴿ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً ﴾ [ النحل : ٣٠ ] عند الجميع. ومنه قوله :[ البسيط ]
٣٣٢- يَا خُزْرَ تَغْلِبَ مَاذَا بَالُ نِسْوَتِكُمْ لاَ يَسْتَفِقْنَ إِلَى الدِّيِدَيْنِ تَحْنَانَا
ف « ماذا » مبتدأ، و « بالُ نسوتكم » خبرُه.
الرابع : أن يُجْعَلَ « ماذا » بمنزلةِ الموصول تغليباً ل « ذا » على « ما » عكس الصورة التي قبله، وهو قليلٌ جداًّ؛ ومنه قوله :[ الوافر ]
٣٣٣- دَعِي مَاذَا عَلِمْتِ سَأَتَّقِيهِ وَلَكِنْ بِالْمُغَيِّبِ حَدِّثِينِي
ف « ماذا » بمعنى الذي؛ لأنَّ ما قبله لا تعلّق له به.
الخامس : زعم الفَارِسِيُّ أَنَّ « ماذا » كله نكرة موصوفة، وأنشدَ :« دَعِي مَاذَا عَلِمْتِ » أي : دَعِي شيئاَ معلوماً، وقد تقدَّم تأويله.
السَّادس : وهو أضعفها أَنْ تكون « ما » استفهاماً، و « ذا » زائدة، وجميع ما تقدَّم يُصْلُحُ أن يكون مثالاً له، ولكنَّ زيداة الأسماء ممنوعة أو قليلة جِداً.
إذا عُرِفَ ذلك فقوله « مَاذَا أَرَادَ اللهُ » يجوز فيه وجهان دون الأربعة الباقية :
أحدهما : أن تكون « ما » استفهامية في محلِّ دفع بالابتداء، و « ذا » بمعنى « الذي »، و « أراد اللهُ » صِلَة، والعائِدُ محذوف لاستكمال شروطَه، تقديره :« أراد اللهُ » والموصول خَبَرُ « ما » الاستفهامية.
والثاني : أن تكون « مَاذَا » بمنزلةِ اسم واحدٍ في مَحَلِّ نَصْبٍ بالفعلِ بعده، تقديره : أيَّ شيء أراد اللهُ. قال ابن كَيْسَان : وهو الجيد ومحل هذه الجملة النصب بالقول، و « مثلا » نصب على التمييز، قيل : وجاء على معنى التوكيد؛ لأنه من حيث أُشير إليه بهذا عُلِمَ أَنَّهُ مَثَلٌ، فجاء التمييز بعده مؤكّدا للاسم الذي أُشيرَ إليه.
وقيل : نصب على الحالِ، واختلف في صاحبها، فقيل : اسم الإشارة، والعاملُ فيها معنى الإشارة.
وقيل : اسم اللهِ - تعالى - مُتَمَثِّلاً بذلك.
وقيل : على القطع وهو رأي الكوفيين، وَمَعْنَاه عندهم : أَنَّهُ كان أصله أن يتبع ما قبله، والأصلُ : بهذا المَثلِ، فلمَّا قَطِعَ عن التَّبعيَّةِ انتصب؛ وعلى ذلك قول امرئ القيس :[ الطويل ]


الصفحة التالية