والثاني : أَنَّهُ منصوبٌ على الذَّمِّ.
والثالث : أَنَّه مرفوعٌ بالابتداء، وخبره الجملة من قوله « أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ».
والرابع : أَنَّهُ خبر لمبتدأ محذوف أي : هم الفاسقون. والعهدُ في كلامهم على معانٍ :
منها الوصيَّةُ والضَّمان، والاكتفاء، والأمر.
و « مِنْ بَعْدِ » متعلِّق ب « ينقضون »، و « من » لابتداء الغاية، وقيل : زائدة، وليس بشيء. والضميرُ في ميثاقه يجوز أن يعود على العهد، وأن يعود على اسم الله تعالى، فهو على الأوّل مصدرٌ مضاف إلى المفعول، وعلى الثَّاني مضافٌ للفاعل.
و « الميثاقُ » العَهْدُ المؤكَّدُ باليمين مِفْعَال الوثاقةِ والمعاهدةِ، والجمع : المواثيق على الأصل؛ لن أصل مِيِثَاق : مِوْثَاق، صارت « الواو » ياء؛ لانكسار ما قبلها وهو مصدرٌ ك « الميلاد » و « المِيعَاد » بمعنى الولادة، والوعد؛ وقال ابن عطية : هو اسْمٌ في وضع المصدر؛ كقوله :[ الوافر ]

٣٣٩- أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي وَبَعْدَ عَطَائِكَ الْمِائَةِ الرِّتَاعَا
أي : إِعْطَائِكَ، ولا حاجة تدعو إلى ذلك، والمادة تَدُلُّ على الشَّدِّ والرَبْطِ، وجمعه مَوَاثِيق، ومَيَاثِق، أيضاً، ومَيَاثيق؛ وأنشد ابن الأعرابيِّ :[ الطويل ]
٣٤٠- حِمًى لا يَحِلُّ الدَّهْرُ إلاَّ بإِذْنِنَا وَلاَ نَسْأَلُ الَقْوَامَ عَهْدَ الْمَيَاثِقِ
والمَوْثِق : المِيثَاق والمُواثَقَة والمُعَاهَدَة؛ ومنه قوله تعالى :﴿ وَمِيثَاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ ﴾ [ المائدة : ٧ ].
فَصْلٌ في النقض
النقضُ إفسادُ ما أبرمته من بناءٍ أو حبل أو عهد، والرجوع به إلى الحالة الأولى.
والنقاضة : ما نُقِضَ من حبل الشعر، والمُنَاقضةُ في القولِ : أَنْ يَتَكَلَّمَ بما يناقض معناه، والنَّقيضةُ في الشّعر ما ينقضُ به.
والنَّقض : المَنْقُوض، واختلف النَّاسُ في هذا العَهْدِ، فقيل : هو أذلي أخذه اللهُ على بني آدم -عليه السَّلام- حين استخرجهم من ظهره.
قال المتكلمون :« هذا ساقطٌ » ؛ لأنَّه -تعالى- لا يحتج على العبادِ بعهد وميثاق لا يشعرون به، كما لا يؤاخذهم بالسَّهْوِ والنسيان وقيل : هو وصيَّةُ اللهِ -تعالى- إلى خلقه، وأمرمه إياهم بها أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم من معصيته في كتبه على ألسنة رسله، ونقضهم ذلك ترك العمل به، وقيل : بل نَصبَ الأدلّة على وحدانيته بالسموات، والأرضِ، وسائر الصنعة، وهو بمنزلة العَهْدِ، ونقضهم ترك النَّظَر في ذلك.
وقيل : هو ما عهده إلى من أوتي الكتاب أن يبينوا نبوَّة محمد عليه السَّلام، ولا يكتموا أمره، فالآية على هذا في أَهْل الكتاب.
وقاب أبو إسحاق الزَّجَّاج : عهده جَلَّ وعَزَّ ما أخذه على النَّبيين ومَنْ تبعهم، ألاَّ يَكْفُرُوا بالنبي - ﷺ - ودليلُ ذلك :﴿ وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين ﴾ [ آل عمران : ٨١ ] إلى قوله :﴿ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي ﴾ [ آل عمران : ٨١ ] أي : عهدي.
قوله :« وَيَقْطَعُونَ » عطف على « يَنْقُضُونَ » فهي صلة أيضاً، و « ما » موصولة، و « أَمَرَ الله به » صلتها وعائدها.


الصفحة التالية
Icon