وأجاز أبو البقاء أن تكون نكرةً موصوفةً، ولا يجوز أن تكون مصدرية لعود الضمير عليها إلاَّ عند أبي الحَسَن وابن السراج وهي مفعولة ب « يَقْطَعُونَ » والقطع معروف، والمصدر -في الرّحم- القطيعة، يقال : قطع رحمه قطيعة فهو رجل قُطَعٌ وقُطَعَةٌ، مثل « هُمَزَة »، وقَطَعْتُ الحبل قَطْعاً، وقطعت النهر قُطُوعاً، وقَطَعَت الطير قُطُوعاً، وقُطَاعاً، وقِطَاعاً إذ خرجت من بَلَدٍ إلى بَلَدٍ.
وأصاب الناسَ قُطْعَةٌ : إذا قلت مياههم، ورجل به قُطْعٌ أي انبهار.
قوله :« مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » « ما » في موضع نصب ب « يقطعون » و « أَنْ يُوصلَ » فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : الجر على البدل من الضمير في « بِهِ » أي ما أمر الله بِوَصْلِهِ؛ كقول امرئ القيس :[ الطويل ]

٣٤١- أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى أَنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ فَتَقْصُرُ عَنْهَا خُطْوَةٌ أَوْ تَبُوصُ
أي : أمِنْ نَأْيِهَا.
والنصب وفيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من « مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ » بدل اشتمال.
والثاني : أنه مفعول من أجله، فقدره المَهْدوِيّ : كراهية أن يوصل، وقدره غيره : ألا يوصل.
والرفع على أنه خبر مبتدأ [ مضمر ] أي : هو أن يوصل، وهذا بعيداً جداً، وإن كان أبو البقاء ذكره.
واختلف في الشيء الذي أمر بوصله فقيل : صلة الأرْحَام، وحقوق القرابات التي أمر الله بوصلها، وهو كقوله تعالى :﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [ محمد : ٢٢ ] وفيه إشارة إلى أنهم قطعوا ما بينهم وبين النبي - ﷺ - من القرابة، وعلى هذا فالآية خاصة.
وقيل : أمر أن يوصل القول بالعمل، فقطعوا بينهما بأن قالوا، ولم يعملوا. وقيل : أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه، فقطعوه بتصديق بعضهم، وتكذيب بعضهم. وقيل : الإشارة إلى دين الله، وعبادته في الأرض، وإقامة شرائعه، وحفظ حدوده، فهي عامة في كل ما أمر الله -تعالى- أمرهم أن يصلوا حَبْلَهُمْ بِحَبْلِ المؤمنين، فانقطعوا عن المؤمنين، واتصلوا بالكفار.
وقيل : إنهم نهوا عن التنازع وإثارة الفتن، وهم كانوا مشتغلين بذلك.
و « يُفْسِدُونَ » عطف على الصّلة أيضاً، و « في الأَرْضِ » متعلق به.
والأظهر أن يراد به الفساد في الأرض الذي يتعدى دون ما يقف عليهم.
وقيل : يعبدون غير الله، ويجورون في الأفعال، إذ هي بحسب شهواتهم، ثم إنه -تعالى- أخبر أن من فعل هذه الأَفَاعيل خسر فقال :« أُولِئَكَ هُمُ الخَاسِرُونَ » كقوله :﴿ وأولئك هُمُ المفلحون ﴾ [ البقرة : ٥ ]، وقد تقدم أنه يجوز أن تكون هذه الجملة خبر « الذِينَ يَنْقُضُونَ » إذا جعل مبتدأ.
وإن لم يجعل مبتدأ، فهي مستأنفة، فلا محل لها حينئذ، و « هم » زائدة، ويجوز أن يكون « هم » مبتدأ ثان، و « الخَاسِرُونَ » خبره، والثاني وخبره خبر الأول.


الصفحة التالية
Icon