والتحولُ؛ نحو :« اسْتَحْجَرَ الطِّينُ » أَيْ : صار حجراً، ومنه قوله :« إنَّ البُغَاثَ بأَرْضِنَا يَسْتَنْسِرُ » أي : تتحولُ إلى صفة النُّسور.
ووجودُ الشَّيْءِ بمعنى ما صِيغَ منه؛ نحو :« اسْتَعْظَمَهُ » أَيْ : وجده عظيماً.
وعَدُّ الشَّيْ كذلك، وإِن لم يكُنْ؛ نحو :« اسْتَحْسَنَهُ ».
ومطاوعةُ « أَفْعَل » ؛ نحو : أَشْلاَه فَاسْتَشْلَى «.
وموافقتُه له أيضاً؛ نحو :» أَبَلَّ الْمَرِيضُ وَاسْتَبَلَّ «.
وموافقةُ » تَفَعَّلَ « ؛ نحو :» اسْتَكْبَرَ « بمعنى » تكبر «.
وموافقةُ » افْتَعَلَ « ؛ نحو :» اسْتَعْصَمَ « بمعنى » اعْتَصَمَ «.
والإِغْنَاءُ عن المجرد؛ نحو :» اسْتَكَفّ « و » اسْتَحْيَا «، لم يتلفظ لهما بمجردِ استغناء بهما عنه.
والإغْنَاءُ بهما عن » فَعَلَ « أي المجرد الملفوظ به نحو :» اسْتَرْجَعَ « و » استعان «، أيْ : رجع وحَلَق عانته.
وقُرِىءَ :» نِسْتَعِينُ « بكسرِ حرف المضارعة؛ وهي لُغَةٌ مطردةٌ في حروف المُضَارعة. وذلك بشرط ألا يكن حرفُ المضَارعة ياءً؛ لثقل ذلك، على أنَّ بعضَهُم قال :» ييجَلُ «، مضارع » وَجَلَ «، وكأنه قصد إلى تَخْفِيفِ الواو إلى الياء، فكسر ما قبلها لتنقلب؛ وقد قُرِىءَ :﴿ فإنَهم ييلَمُون ﴾ [ النساء : ١٠٤ ]، وهي هادمةٌ لهذا الاستثناءِ، وسيأتي تحقيقُ ذلك في موضعه إنْ شاء الله تعالى.
وأن يكونَ المُضَارع من ماضٍ مكسورِ العَيْنِ؛ نحو :» تِعْلَمْ « من » عَلِمَ «، أو في أوله همزةُ وصلٍ، نحو » نِسْتَعِينُ « من » اسْتِعَانَ «، أو تاءُ مُطَاوَعةٍ؛ نحو :» نِتَعَلَّمُ « من » تَعَلَّمَ «، فلا يجوزُ في » يضْربُ « و » يقتلُ « كشر حرف المُضَارعة؛ لعدم الشرُّوط المذكورة.
والاستعانَةُ : طلبُ العَوْنَ : وهو المُظَاهرة والنصرة، وقدم العِبَادَةَ على الاسْتِعَانَةِ؛ لأنها وصلةٌ لطلب الحاجة.
وقال ابنُ الخَطيبِ : كأنه يقولُ : شَرَعْتُ في العِبَادَةِ : فأستعين بك في إتمامها، فلا تمنعني من إتمامها بالمَْوتِ، ولا بالمرضِ، ولا بقلب الدَّواعي وتَغَيُّرِها.
وقال البَغَوِيُِّ : رحمه الله تعالى- فإن قيل : لم قدم ذِكْرُ العِبَادَةِ على الاستعانَةِ، والاستعانةُ لا تكون إلاَّ قبل العبادة؟
قلنا : هذا يلزمُ من جَعَلَ الاستعانةَ قبلَ الفعل، ونحن نَجْعلُ التوفيقَ، والاستعانةَ مع الفعل، فلا فرق بيت التقديم والتأخير.
وقيل : الاستعانَةُ نوعُ تعبُّدٍ، فكأنه ذكر جملة العبادَةِ أوّلاً، ثم ذكر ما هو من تفاصيلها وأطلق كُلاًّ من فِعْلَيْ العبادَةِ والاستعانَةِ فلم يذكر لهما مفعولاً؛ ليتناول كل معبود به، وكلَّ مُسْتَعان [ عليه ]، أَوْ يكون المُرادُ وقوعَ الفعلِ من غير نظر إلى مفعول؛ نحو :﴿ كُلُواْ واشربوا ﴾ [ البقرة : ٦٠ ] أي أوقعوا هذين الفِعْلَيْنِ.
فصل في نظم الآية
قال ابنُ الخَطِيبِ -رحمه الله تعالى- : قال تعالى :» إيَّاكَ نَعْبُدُ « فقدَّمَ قولَه :» إيَّاكَ « على قوله :» نعبد « ولم يقل :» نعبدك « لوجوه :
أحدُها : أنه -تبارك وتَعَالَى- قدّم ذِكْرَ نَفْسِهِ؛ لينبه العَابِدَ على أن المعبودَ هو اللهُ -تعالى- فلا يتكاسَلُ في التعظيم.