ثم قال : فإن قلت : بعض القصّة ماض، وبعضها مستقبل، والمستقبل كلاهما لا يصح أن يقع حالاً حتى يكون فعلاً حاضراً وقت وجود ما هو حال عنه، فما الحاضر الذي وقع حالاً؟
قلت : هو العلم بالقصّة كأنه قيل : كيف تكفرون، وأنتم عالمون بهذه القصة بأولها وآخرها؟
قال أبو حيان ما معناه : هذا تكلّف، يعني تأويله هذه الجملة بالجملة الاسمية. قال : والذي حمله على ذاك اعتقاده أن الجمل مندرجةً في حكم الجملة الأولى، قال : ولا يتعيّن، بل يكون قوله تعالى :« ثُمَّ يُمِيتُكُمْ » وما بعده جملاً مستأنفة أخبر بها -تعالى- لا داخلة تحت الحال، ولذلك غاير بينها وبين ما قبلها من الجمل بحرف العطف، وصيغة الفعل السَّابقين لها في قوله :« وكُنْتُم أَمْوَاتاً فأحْيَاكُمْ ».
و « الفاء » في قوله « فأحياكم » على بابها من التَّعقيب، و « ثُمَّ » على بابها من التَّرَاخي؛ لأن المراد بالموت الأول العدم السابق، وبالحَيَاة الأولى الأولى الخَلْق، وبالموت الثاني المَوْتَ المعهود، وبالحياة الثانية الحياة للبعث، فجاءت الفاء، و « ثم » على بابهما من « التَّعقيب » والتراخي على هذا التفسير، وهو أحسن الأقوال.
ويعزى لابن عباس وابن مسعود ومجاهد، والرجوع إلى الجزاء أيضاً متراخٍ عن البعث.
قال ابن عطية : وهذا القول هو المُرَاد بالآية، وهو الذي لا مَحِيدَ للكفار عنه لإقرارهم بهما، وإذا أذعنت نفوس الكُفّار لكونهم أمواتاً معدومين، ثم الإحياء في الدنيا، ثم الإماتة فيها قوي عليهم لزوم الإِحْيَاءِ الآخر، وجاء جحدهم له دعوى لا حُجّة عليها، والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم الدنيا.
وقيل : لم يعتدّ بها كما لم يعتد بموت من أَمَاتَهُ في الدنيا، ثم أحياهُ في الدنيا.
وقيل : كنتم أمَواتاً في ظهر آدم، ثم أخرجكم من ظهره كالذُّرِّ، ثم يميتكم موت الدنيا، ثم يبعثكم.
وقيل : كنتم أمواتاً -أي نُطَفاً- في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، ثم نقلكم من الأرحام فأحياكم، ثم يميتكم بعد هذه الحياة، ثم يحييكم في القبر للمسألة، ثم يميتكم في القبر، ثم يحييكم حَيَاةَ النشر إلى الحَشْرِ وهي الحياة التي ليس بعدها موت.
قال القرطبي : فعلى هذا التأويل هي ثلاث مَوْتَات، وثلاث إحْيَاءَات، وكونهم موتى في ظهر ابن آدم، وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفاً في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، فعلى هذا تجيء أربع موتات وأربع إحياءات.
وقد قيل : إن الله -تعالى- أوجدهم قبل خلق آدم -عليه الصَّلاة والسّلام- كالهَبَاءُ، ثم أماتهم، فيكون هذا على خمس موتات، وخمس إحياءات، وموتة سادسة للعُصَاة من أمة محمد - ﷺ - إذا دخلوا النَّار، لحديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ :