والثاني : أنه يرده قوله تعالى :﴿ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ ﴾ [ فصلت : ١١ ].
و « إلى » حرف انتهاء على بَابها.
وقيل : هي بمعنى « عَلَى » ؛ فتكون في المَعْنَى كقول الشاعر :[ الرجز ]

٣٤٦- قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ مَنْ غَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْرَاقِ
ومثله قوله الآخر :[ الطويل ]
٣٤٧- فَلَمَّا َعَلَوْنَا وَاسْتَوَيْنَا عَلَيْهِمُ تَرَكْنَاهُمُ صَرْعَى لِنَسْرٍ وَكَاسِرِ
وقيل : ثَمَّ مضاف محذوفٌ ضميره هو الفاعل، أي : استوى أمره، و « إلَى السَّمَاءِ » متعلّق ب « اسْتَوَى »، والضمير في « فَسَوَّاهُنّ » يعود على السَّمَاء، إما لأنها جمع « سماوة » كما تقدم، وإما لأنها اسم جنس يطلق على الجمع.
وقال الزمخشري :« هُنَّ » ضمير مبهم، و « سَبْعَ سَمَاوَاتٍ » تفسيره، كقولهم : رُبَّهُ رَجُلاً «، وقد رد عليه بأنه ليس من [ المواضع التي يفسر فيها الضمير بما بعده؛ لأن النحويين حصروا ذلك في سبع مواضع ] :
ضمير الشأن، والمجرور ب »
رب «، والمرفوع ب » نعم وبئس «، وما جرى مجراهما، وبأول المتنازعين، والمفسر بخبره، وبالمُبْدَل منه.
ثم قال هذا المعترض : إلا أن يتخيل فيه أن يكون »
سَبْعَ سَمَاواتٍ « بدلاً، وهو الذي يقتضيه تشبيهه ب » رُبُّهُ رَجَلاً « فإنه ضمير مبهم ليس عائداً على شيء قبله، لكن هذا يضعف بكون التقدير يجعله غير مرتبطٍ بما قبله ارتباطاً كلياً، فيكون أخبرنا بإخبارين :
أحدهما : أنه استوى إلى السماء.
والثاني : أنه سوى سبع سماوات.
وظاهر الكلام أن اذلي استوى إليه هو المستوي بعينه.
ومعنى تسويتهنّ : تعديل خلقهن، وإخلاؤه من العِوَجِ، والفُطُور وإتمام خَلْقهن.
قوله :»
سَبْعَ سَمَواتٍ « في نصبه خمسة أوجه :
أحسنها : انه بدلٌ من الضمير في »
فَسَوَّاهُنَّ « العائد على » السَّمَاءِ « كقولك، أخوك مررت به زيد.
الثاني : أنه بدل من الضمير أيضاً، ولكن هذا الضمير يفسره ما بعده، وهذا يضعف بما ضعف به قول الزمخشري المتقدّم.
الثالث : أنه مفعول به، والأصل، فسوَّى منهن سَبْعَ سموات، وشبهوه بقوله تعالى :﴿ واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] أي : من قومه قاله أبو البقاء وغيره، وهذا ضعيف لوجهين :
أحدهما : بالنسبة إلى اللفظ.
والثاني : بالنسبة إلى المعنى.
أما الأول فلأنه ليس من الأفعال المتعدية لاثنين.
أحدهما : بإسقاط الخافض؛ لأنها محصورة في »
أمر « و » اختار « وأخواتها.
الثاني : أنه يقتضي أن يكون ثَمَّ سماوات كثيرة، سوى من جملتها سبعاً، وليس كذلك.
الرابع : أن »
سوى « بمعنى » صَيَّر « فيتعدّى لاثنين، فيكون » سَبْعَ « مفعولاً ثانياً، وهذا لم يثبت أيضاً، أعني جعل » سَوَّى « مثل » صَيَّرَ «.

فصل في هيئة السماوات السبع


اعلم أن القرآن -هاهنا- قد دلّ على سبع سماوات.


الصفحة التالية
Icon