وقال أصحاب الهيئة : أقربها إلينا كرة القمر، وفوقها كرة عطارد، ثم كرة الزّهرة، ثم كرة الشَّمس، ثم كرة المرّيخ، ثم كرة المشتري، ثم كرة زُحَل، قالوا : لن الكوكب الأسفل إذا مَرَّ بين أبصارنا، وبين الكوكب الأعلى، فإنهما يصيران ككوكب واحدٍ، ويتميز السَّاتر عن المَسْتور بلونه الغَالب كَحُمْرَةِ المريخ، وصُفْرَة عطارد، وبَيَاض الزهرة، وزُرْقَة المُشْتري، وكدرة زُحَل، وكلّ كوكب فإنه يكسف الكوكب الذي فوقه.

فصل في الاستدلال على سبق خلق السماوات وعلى الأرض


قال [ بعض المَلاَحدة ] : هذه الآية تدلّ على أن خلق الأرض قبل خلق السَّماء، وكذا قوله :﴿ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [ فصلت : ٩ ] إلى قوله تعالى :﴿ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء ﴾ وقال في سورة « النازعات » :﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [ النازعات : ٣٠ ] وهذا يقتضي أن يكون خلق الأرض بعد السماء، وذكروا في الجواب وجوهاً :
أحدها : يجوز أن يكون خلق الأرض قبل السماء إلاّ أنه دَحَاهَا حتى خلق السماء؛ لأن التدحية هي البَسْط.
ولقائل أن يقول : هذا مُشْكل من وجهين :
الأول : ان الأرض جسم عظيم، فامتنع انفكاك خلقها عن التَّدْحية، وإذا كانت التَّدْحية متأخّرة عن خلق السماء كان خلقها لا مَحَالَة متأخراً عن خلق السماء.
الثاني : أن قوله :« خَلَقَ لَكُم الأَرْضَ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء » يدلّ على أن خلق الأرض، وخلق كل ما فيها متقدم على خلق السماء، وخلق هذه الأشياء في الأرض لا يمكن إِلاَّ إذا كانت مدحوةً، فهذه الآية على كونها مدحوة قبل خلق السَّماء، فيعود التَّنَاقض.
والجواب الثاني : أن قوله :﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [ النازعات : ٣٠ ] يقتضي تقديم خلق السماء على الأرض، ولا يقتضي أن تكون تسوية السماء مقدّمة على خَلْقِ الأرض، وعلى هذا التَّقْدِير يزول التناقض.
ولقائل أن يقول : قوله :﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السمآء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾ [ النازعات : ٢٧- ٢٨ ] يقتضي أن يكون خلق السماء، وتسويتها مقدماً على تدحية الأرض، ولكن تَدْحِيَةَ الأرض ملازمة لخلق ذات الأرض، وحينئذ يعود السؤال.
والجواب الثالث وهو الصحيح أن قوله :« ثُمّ » ليس للترتيب هاهنا، وإنما هو على جِهَةِ تعديد النعم، على مثل قول الرَّجل لغيره : أليس قد أعطيتك النعم العظيمة، ثم وقعت الخُصُوم عنك، ولعلّ بعض ما أخره في الذكر قد تقدّم فكذا ها هنا، والله أعلم.
فإن قيل : هل يَدُلّ التنصيص على سَبْعِ سموات على نَفْي العدد الزائد؟
قال ابن الخطيب : الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يَدُلُّ على نفي الزائد.

فصل في إثبات سبع أَرْضين


ورد في التنزيل أن السموات سبع، ولم يأت في التنزيل أن الأرضين سبع إلاَّ قوله ﴿ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ ﴾ [ الطلاق : ١٢ ] وهو محتمل للتأويل، لكنه وردت في أحاديث كثيرة صحيحة تدلّ على أن الأرضين سبع كما روي في « الصحيحين » عن رسول الله - ﷺ - أنه قال :


الصفحة التالية
Icon