هذه الآية دالّة على كيفية تنظيم الله -تعالى- لآدم عليه الصَّلاة والسلام، فيكون ذلك إنعاماً عامًّا على جميع بني آدم، فيكون هذا هو النعمة الثالثة من تلك النعم العامّة التي أوردها.
« إذ » ظرفُ زمانٍ ماض، يخلص المضارع للمضي، وبني لشبهة بالحَرْفِ في الوضع والافتقار، وتليه الجُمَل مطلقاً.
قال المبرد : إذا جاء « إذ » مع المستقبل كان معناه ماضياً كقوله :﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ﴾ [ الأنفال : ٣٠ ] يريد : إذ مكروا، وإذا جاء مع الماضي كان معناه مستقبلاً كقوله :﴿ وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] وقد يبقى على مُضِيِّهِ كهذه الآية.
وإذا كانت الجملة فعلية قبح تقديم الاسم، وتأخير الفعل نحو :« إذ زيد قام »، ولا يتصرّف إلا بإضافة الزمن إليه، نحو :« يومئذ »، ولا يكون مفعولاً به، وإن قال به اكثر المعربين، فإنهم يقدرون « ذكر وقت كذا »، ولا ظرف مكان، ولا زائداً، ولا حرفاً للتعليل، ولا للمفاجأة خلافاً لمن زعم ذلك.
وقد تحذف الجملة المضاف هو إليها للعلم، ويعرض منها تنوين كقوله :﴿ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ﴾ [ الواقعة : ٨٤ ] وليس كَسْرَته -والحالةُ هذه- كسرة إعراب، ولا تنوينه تنوينَ صرفٍ خلافاً للأخفش، بل الكسر لالتقاء السَّاكنين، والتنوين للعوض بدليل وجود الكسر، ولا إضافة؛ قال الشاعر :[ الوافر ]
٣٥٠- نَهَيْتُكَ عَنْ طِلاَبِكَ أُمُّ عَمْرٍو | بِعَاقِبَةٍ وَأَنْتَ إِذٍ صَحِيحُ |
و « قَالَ رَبُّكَ » : جملة فعلية في محلّ خفض بإضافة الظرف إليها، واعلم أنّ « إذ » فيه تسعة أوجه، أحسنها أنه منصوب ب « قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا » أي : قالوا ذلك القول وضقْتَ قول الله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة، وهذا أسهل الأوجه.
الثاني : أنه منصوب ب « اذكر » مقدراً، وقد تقدم أنه لا يتصرّف، فلا يقع مفعولاً.
الثالث : أنه منصوب ب « خلقكم » المتقدّم في قوله :﴿ اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢١ ] والواو زائدة. وهذا ليس بشيء لطول الفصل.
الرابع : أنه منصوب ب « قال » بعده، وهذا فاسد؛ لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف.
الخامس : أنه زائد، ويُعْزَى لأبي عبيدة.
السادس : أنه بمعنى « قد ».
السابع : أنه خبر لمبتدأ مَحْذوف تقديره : ابتداء خلقكم وَقْتَ قول ربك.
الثامن : أنه منصوب بفعل لائقٍ تقديره : ابتداء خلقكم وَقْتَ قوله ذلك.
وهذان ضعيفان، لأن وقت ابتداء الخَلْقِ ليس وقت القول، وايضاً لا يتصرف.
التاسع : أنه منصوب ب « أحياكم » مقدراً، وهذا مردودٌ باختلاف الوقتين أيضاً.