فافترقا، بخلاف « نَا » فإنَّ معناها لا يختلِفُ، وهي ضمير متصل في الأحوال الثلاثة.
و « الصِّراطَ » مفعولٌ ثانٍ، و « المستقيم » صِفَتُه، وقد تبعه في الأربعةِ من العشرة المذكورة.
وأصلُ « هَدَى » أن يتعدّى إِلَى الأولِ بنفسه وإلى الثاني بحرفِ الجَرِّ، وهو إما :« إلى » أو « اللام » ؛ كقوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ الشورى : ٥٢ ]، ﴿ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [ الإسراء : ٩ ] ثم يُتَّسَعُ فيه، فَيُحْذَفُ الجَرُّ، فيتعدى بنفسه، فأصلُ « اهْدِنا الصِّرَاطَ » : إهدنا للصِّراط أو إلى الصّراط، ثم حذف. والأمرُ عند البصريين مَبْنِيٌّ وعند الكوفين مُعْرَبٌ، ويَدَّعُونَ في نحو :« اضْرِبْ »، أنَّ أصله :« لِتَضْرِبْ » بلامِ الأَمْرِ، ثم حذف الجازم، وتبعه حرفُ المُضَارعةِ، وأتي بهمزة الوصل؛ لأجل الابتداء بالسَّاكن، وهذا مما لا حاجة إليه، وللرد عليهم موضعٌ يليق به. ووزْنُ « اهْدِ » « افْعِ » ؛ حُذِفَتْ لاَمُه، وهي الياءُ حملاً [ للأمر على المجزوم، والمجزوم تُحْذَفُ ] منه لامه إذا كانت حرف علّة.
ومعنى الهِدايَة : الإرشادُ أو الدلاَلَةُ، أو التقدّم. ومنه هواد الخيل لتقدمها. قال امرؤُ القَيْسِ :[ الطويل ]

٧٠- فَاَلْحَقَنَا بالهَادِيَاتِ وَدُونَهُ جَوَاحِرُهَا في صَرَّةٍ لَمْ تَزَيَّلِ
أي : المتقدّمات الهَادية لغيرها.
أو التَّبيينُ؛ نحو :﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ﴾ [ فصلت : ١٧ ] أي : بيّنّا لهم؛ ونحو :﴿ أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى ﴾ [ طه : ٥٠ ]، أيْ : أَلْهَمَهُ لمصالحه.
أو الدعاءُ؛ كقوله تعالى ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [ الرعد : ٧ ]، أيْ دَاعٍ.
وقيل : هو المَيْلُ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٦ ] والمعنى : بقلوبِنا إِلَّيْكَ، وهذا غلط؛ فإن تَيْك مادةٌ أخْرى من « هَادَ- يَهُودُ ».
وقال الرَّاغِبُ : الهِدَايَةُ : دَلاَلَةٌ بِلُطْفٍ، ومنه الْهَدِيَّةُ، وخصّ ما كان دلالةً ب، « هديت » وما كان إعْطَاءً ب « أهديت ».
و « الصِّرَاط » : الطَّريقُ المستسهلُ، وبعضُهم لا يقيده بالمستسهلِ؛ قال [ الرجز ]
٧١- فَضَلَّ عَنْ نَهْجِِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ... ومثله :[ الوافر ]
٧٢- أَمِيرُ الْمُؤْمِنينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمِ
وقال آخَرُ :[ الوافر ]
٧٣- شَحَّنَا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهُم أَذَلَّ مِنَ الصِّرَاطِ
أَي : الطَّريقِ.
وهو مُشْتَقٌّ من « السَّرْطِ » وهو : الابتِلاَع؛ إِمَّا لأنَّ سالكَهُ يَسْتَرِطُه، أَوْ لأنه يَسْتَرِطُ سَالِكَه؛ ألا ترى إلى قولهم : قَتَلَ أَرْضَاً عَالِمُهَا، وقَتَلَتْ أَرْضٌ جَاهِلُها؛ وبهذَيْن الاعتباريْن قال أبو تمام :[ الطويل ]
٧٤- رَعَتْهُ الْفَيَافي بَعْدَ مَا كَانَ حِقْبَةً رَعَاهَا وَمَاءُ المُزْنِ يَنْهَلُ سَاكِبُهْ
وعلى هذا سُمِّيَ الطريقُ لَقَماً ومُلْتَقِماً؛ لأنه يلتقِمُ سالِكَه، أو يلتقمُهُ سالِكُه.
وأصله : السّين : وقد قرأ به قُنْبُل رحمه الله تعالى حيث ورد، وإنما أُبْدِلَتْ صَاداً؛ لأجلِ حرفِ الاسْتِعْلاَءِ وإبدالها صاداً مُطَّرد عنده؛ نحو :« صَقَر » في « سَقَر »، و « صَلَخ » في « سَلَخ »، و « أَصْبغ » في « أَسْبَغ »، و « مُصَيْطر » في « مُسَيْطر » لما بينهما من التَّقارب.


الصفحة التالية
Icon