﴿ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾ [ النمل : ٢٢ ] ولم يكن أفضل من سُلَيْمَانَ، سلمنا أنه كان أعلم منهم، ولكن لِمَ لَمْ يجز أن يقال : إن طاعنهم أكثر إخلاصاً من طاعة آدم ﷺ ؟.
وأما الحجة الرابعة : فهي قويّة.
وأما الخامسة : فلا يلزم من كون محمّد -عليه الصّلاة والسلام- رحمة لهم أن يكون أفضل منهم كما في قوله تعالى :﴿ فانظر إلى آثَارِ رَحْمَةِ الله كَيْفَ يُحْيِيِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَآ ﴾ [ الروم : ٥٠ ] ولا يمتنع أن يكون -E- رحمةً لهم من وجه، وهم يكونون رحمة له من وجه آخر.
وأما الحجّة السادسة : وهي أن عبادة البشر أشقّ فهذا ينتقض بما أنا نرى الواحد من الصُّوفية يتحمّل في طريق المُجّاهدة من المَشَاقّ والمتاعب ما يقطع بأنه -E- لم يتحمّل مثلها مع أنا نعلم أن محمداً ﷺ أفضل من الكل.
أما الحُجّة السَّابعة : فهي جمع بين الطَّرفين من غير جامع.
فإن قيل : فإذا لم يكن افضل منهم، فما الحكمة بالأمر بالسجود له؟
قيل له : إنَّ الملائكة لما استعظموا تَسْبِيْحَهُمْ، وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريه استغناءه عنهم، وعن عبادتهم.
وقال بعضهم : عيروا آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصنع به، فأمروا بالسجود له تكريماً، ويحتمل أن يكون إنما أمرهم بالسجود له معاقبة لهم على قولهم :﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ [ البقرة : ٣٠ ].
فإن قيل : فقد استدلّ ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- على فضل البشر بأن الله -تعالى- أقسم بحياة مُحَمَّد ﷺ فقال :﴿ لَعَمْرُكَ ﴾ [ الحجر : ٧٢ ] وأمنه من العذاب لقوله :﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ٢ ]، وقال للملائكة :﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٩ ].
قيل له : إنما لم يقسم بحياة الملائكة كما لم يقسم بِحَيَاةِ نفسه سبحانه فلم يقل :« لَعَمْري » وأقسم بالسماء والأرض، ولم يدلّ على أنها أرفع قدراً من العرش، وأقسم ب « التِّين والزَّيْتُون ».
وأما قوله سبحانه :« وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ » فهو نظير قوله لنبيه ﷺ :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] وهذا آخر الكلام في هذه المسألة.
قوله :« إلاَّ إِبْلِيسَ » « إِلاَّ » حرف استثناء، و « إبليس » نصب على الاستثناء، وهل نصبه ب « إلا » وحدها أو بالفعل وحده أو به بوساطة « إلاّ » أو بفعل محذوف أو ب « أن » أقوال؟
وهل هو استثناء متّصل أو منقطع؟ خلاف مشهور.
والأصح أنه متّصل -وأما قوله تعالى :﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن ﴾ [ الكهف : ٥٠ ]، فلا يرد؛ لأن الملائكة قد يسمونه جنًّا لاجْتِنَابِهِمْ، قال الشاعر في سليمان :[ الطويل ]


الصفحة التالية
Icon