﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ ﴾ [ طه : ١٣٢ ]، وعدم الرد قليل.
وحكى سيبويه « اؤكل » على الأصل، وهو شاذّ.
وقال « ابن عطية » : حذفت النون من « كُلا » للأمر.
وهذه العِبَارَةُ موهمةٌ لمذهب الكوفيين من أنّ الأمر عندهم معرب على التدريج، وهو عند البصريين محمول على المجزوم، فإن سكن المجزوم سكن المر منه، وإن حذف منه حرف حذف من الأمر.
و « منها » متعلّق به، و « من » للتبعيض، ولا بُدّ من حذف مضاف أي : من ثمارها ويجوز أن تكون « من » لابتداء الغاية، وهو حسن.
فإن قيل : ما الحكمة في عطفه هنا « وَكُلاّ » بالوا، وفي « العراف » بالفاء؟
والجواب : كلّ فعل عطف عليه شيء، وكان الفعل بمنزلة الشَّرط، وذلك الشَّيء بمنزلة الجزاء، عطف الثَّاني على الأوَّل بالفاء دون الواو، كقوله تعالى :﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية فَكُلُواْ مِنْهَا ﴾ [ البقرة : ٥٨ ] فعطف « كلوا » على « ادخلوا » بالفاء لما كان وجود الأكل منها متعلقاً بدخولها فكأنه قال : إن دخلتموها أكلتم منها، فالدُّخول موصل إلى الأَكْل، والكل متعلّق وجوده بوجوده يبين ذلك قوله في سورة « الأعراف » :﴿ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا هذه القرية وَكُلُواْ ﴾ [ الأعراف : ١٦١ ] فعطف « كلوا » على قوله :« اسكنوا » بالواو دون الفاء؛ لأن « اسكنوا » من السُّكْنَى، وهو المقام مع طول اللّبْث والكل لا يختص وجوده بوجوده؛ لأن من دخل بستاناً قد يأكل منه، وإن كان مجتازاً، فلما لم يتعلّق الثاني بالأول تعلّق الجزاء بالشرط وجب العطف بالواو دون الفاء. إذا ثبت هذا فقوله :« اسكن » يقال لمن أراد منه، الزم المَكَان الذي دخلته، فلا تنفك عنه، ويقال أيضاً لمن لم يدخله : اسكن هذا المكان يعني : ادخله واسكن فيه، فقوله في سورة البقرة :﴿ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة وَكُلاَ ﴾ إنما ورد بعد أن كان آدم في الجنّة، فكان المُرَادُ منه اللُّبث والاستقرار، وقد بَيَّنَّا أن الأكل لا يتعلّق به، فلهذا ورد بلفظ الواو، وفي سورة « الأعراف » هذا الأمر إنما ورد قبل دخول الجَنّة، فكان المراد منه دخول الجنة، وقد بينا أن الأَكْلَ متعلّق به، فلهذا ورد بلفظ الفاء، والله اعلم.
و « رَغَداً » نعت لمصدر مَحْذوف، وقد تقدم أن مذهب سيبويه في هذا ونحوه أن ينتصب حالاً.
وقيل : هو مصدرٌ في موضع الحال أي : كُلاَ طَيِّبَيْنِ مُهَنَّأَيْنِ.
وقرأ النَّخْعي : وابن وَثّاب :« رَغْداً » بسكون الغَيْنِ، وهي لغة « تميم ».
وهذا فيه نظر، بل المنقول أن « فَعْلاً » بسكون العين إذا كانت عينه حَلْقِية لا يجوز فتحها عند البصريين؛ إلاّ أن يسمع فيقتصر عليه، ويكون ذلك على لُغِتِيْن؛ لأن إحداهُما مأخوذة من الأخرى.


الصفحة التالية
Icon