واعلم أنه يمكن أن يقال في المسألة وجه آخر، وهو أنه - تعالى - لما قال :﴿ وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة ﴾ [ الأعراف : ١٩ ] فهم آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - من هذا النهي أنهما إنما نُهِيَا حال اجتماعهما؛ لأن قوله :« وَلاَ تَقْرَبَا » نهي لهما عن الجمع، ولا يلزم من حصول النهي حال الاجتماع حصوله حال الاجتماع حال الانفراد، فلعل الخطأ في الاجتهاد إنما وقع من هذا الوجه.
قوله :﴿ فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾
« الفاء » - هنا - فاء السببية.
وقال المَهْدَويّ : إذا جعل « فأزلهما » بمعنى زلَّ عن المضكَان كان قوله :﴿ فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾ توكيداً، إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر، وزهذا الذي قال المَهْدَوِيّ أشبه شيء بالتأسيس لا التأكيد، لإفادته معنى جديداً.
قال « ابن عطية » : وهنا محذوف يدلّ عليه الظاهر تقديره : فأكلا من الشَّجرة، يعني بذلك أن المحذوف [ يقدر ] قبل قوله :« فَأَزَلَّهُمَا ».
و « مَمَّا كَانَا » متعلّق ب « اخرج »، و « ما » يجوز أن تكون موصولة اسمية، وأن تكون نكرة موصوفة، أي : من المكان أو النعيم الَّذِي كانا فيه، أو من مكان، أو نعيم كانا فيه، فالجملة من « كان » واسمها وخبرها لا مضحَلّ لها على الأوّل ومحلّها الجَرّ على الثاني، و « من » لابتداء الغابة.
فصل في قصة الإغواء
روي عن ابن عبّاس، وقتادة قال الله تعالى لآدم : أَلَمْ يك فيما أبحتك الجَنّة مَنْدُوحَة عن الشَّجَرة، قال : بلى يا رَبّ وعزّتك، ولكن ما ظننت أن احداً يحلف بك كاذباً قال : فبعزّتي لأهبطنّك إلى الأرض، ثم لا تَنَالُ العيش إلا كدّاً، فأهبطا من الجنة، فكانا يأكلان فيها رغداً فعلم [ صنعة ] الحديد، وامر بالحَرْثِ فحرث وزرع وسقى، حتى إذا بلغ حصد، ثم دَاسَهُ، ثم ذَرَاه، ثم طحنه، ثم خبزه، ثم أكله، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله تعالى. ويروي أن « إبليس » أخذ من الشجرة التي نهى آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - عنها فجاء بها إلى حَوّاء فقال : انظري إلى هذه الشَّجرة ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لَوْنَهَا، فلم يزل يغويها حتى أخذتها فأكلتها وقالت لآدم : كُلْ فإني قد أكلت فلم تضرني، فأكل منها فبدت لهما سَوْآتهما، [ وبقيا ] عرايا، فطلبا ما يستتران به، فتباعدت الأشجار عنهما، وبكّتوه بالمعصية، فرحمته شجرة التين، فأخذ من وَرقها، فاسْتَتَرُوا به فَبُلِيَ بالعُرْيِ دون الشجر.
وقيل لحواء : كما أدميت الشجرة، فذلك يصيبك الدّم كلّ شهر، وتََحْمِلين وتَضَعِيِن كرهاً، وتُشْرفين [ به ] على المضوْتِ، وزاد الطبري والنَّقاش، وتكونين سفيهةً وقد كنت حليمةً [ ولعنت ] الحية وردّت قوائمها في جَوْفِهَا، وجعلت العداوة بينها وبين بني آدم، ولذلك أمرنا بِقِتْلِهَا.