قوله :﴿ اهبطوا ﴾ جملة أمرية في محلّ نصب بالقول قبلها، وحذفت الألف من « اهبِطُوا » في اللفظ؛ لأنها ألف وصل، وحذفت الألف من « قلنا » في اللفظ؛ لسكونها وسكون الهاء بعدها.
وقرئ :« اهْبُطُوا » بضم الباء، وهو كثير في غير المتعدّي.
وأما الماضي ف « هَبَطَ » بالفتح فقط، وجاء في مضارعه اللّغتان، والمصدر « الهبوط » بالضم، وهو النزول.
وقيل : الانتقال مطلقاً.
وقال المفضل : الهبوط : الخروج من البلد، وهو - أيضاً - الدخول.
وفيه نظر : لأن « إبليس » حين أَبَى عن السُّجود أخرج من الجنة لقوله تعالى :﴿ فاهبط مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا ﴾ [ الأعراف : ١٣ ] وقوله :﴿ فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴾ [ الحجر : ٣٤ ] وزلة آدم وحَوّاء إنما وقعت بعد ذلك بمدّة طوسلة، فكيف يكون متناولاً له فيها وهو من الأضداد؟
والضمير في « اهبطوا » الظاهر أنه لجماعة، فقيل : لآدم وحواء والحيّة وإبليس.
وقيل : لهما وللحيّة. وفيه بعد؛ لأنّ المكلفين بالإجماع هم المَلاَئكة والجنّ والإنس.
وقيل : لهما وللوسوسة. وفيه بعد.
وقيل : لبني آدم وبني إبْلِيِسَ، وهذا وإن كان نقل عن « مُجَاهد والحَسَن » لا ينبغي أن يقال؛ لأنهما لم يولد لهما في الجنة بالاتفاق. وقال الزَّمَخْشَرِيّ : إنه يعود لآدم وحواء، والمراد هما وذرّيتهما؛ لأنهما لما كانا أصل الإنس ومتشعّبهم جعلا كأنهما الإنس كلهم، ويدلّ عليه :﴿ قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً ﴾ [ طه : ١٢٣ ]. وهذا ضعيف؛ لأن الذّرية ما كانوا موجودين في ذلك الوَقْتِ، فكيف يتناولهم الخطاب؟ أما من زعم ان أقل الجمع اثنان، فلا يرد عليه شيء من هذا.
قوله :﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ هذه جملة من مبتدأ وخبر، وفيها قولان :
أصحهما : أنها في محل نصب على الحال، أي اهبطوا متعادين.
والثاني : أنها لا محل لها؛ لأنها استئناف إخبار بالعداوة.
وأفرد لفظ « عدو » وإن كان المراد به جمعاً لأحد وجهين :
إما اعتباراً بلفظة « بعض » فإنه مفرد، وإمّا لأن « عدوَّا » أشبه بالمَصادر في الوزن ك « القَبُول » ونحوه.
وقد صرح « أبو البقاء » بأن بعضهم جعل « عدوّا » مصدراً، قال : وقيل :« عدو » مصدر ك « القبول والولوع »، فلذلك لم يجمع.
وعبارة « مكي » قريبة من هذا. فإنه قال : وإنما وحد وقبله جمع؛ لأنه بمعنى المصدر، تقديره :« ذوي عداوة » ونحوه :﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي ﴾ [ الشعراء : ٧٧ ] و ﴿ هُمُ العدو فاحذرهم ﴾ [ المنافقون : ٤ ].
واشتقاق العدو من « عدا » - « يعدو » : إذا ظلم.
وقيل : من « عَدَا » - « يَعْدُو » : إذا جاوز الحق، وهما متقاربان.
وقيل : من عَدْوَتَي الجبل، وهما طَرَفَاه، فاعتبروا بعد ما بينهما.