لما وعد الله من اتبع الهدى بالأَمْنِ من العَذَاب والحزن عقبه بذكر كمن أعدّ له العَذَاب مثال الذين كفروا. و « الذين » مبتدأ وما بعدها صلة وعائد، و « بآياتنا » متعلّق ب « كذبوا »، ويجوز أن تكون أن تكون الآية من باب الأعمال؛ لأن « كفروا » يطلبها، ويكون من إعمال الثَّاني للحذف من الأوّل، والتَّقدير : والذين كفروا بنا وكذّبوا بآياتنا.
و « أولئك » مبتدأ ثان، و « أصحاب » خبره، والجملة خبر الأول، ويجوز أن يكون « أولئك » بدلاً من الموصول، أو عطف بيان له، و « أصحاب » خبر المبتدأ الموصول. وقوله :« هم فيها خالدون » جملة اسمية في محلّ نصب على الحال للتَّصريح بذلك في مواضع قال تعالى :« أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدينَ ».
وأجاز « أبو البقاء » : أن تكون حالاً من « النار » قال : لأن فيها ضميراً يعود عليها، ويكون العامل فيها معنى الإضافة، أو اللاَّم المقدرة.
وقد عرف ما في ذلك، ويجوز أن تكون في محل رفع خبر ل « أولئك » أيضاً، فيكون قد أخبر عنه بخبرين :
أحدهما : مفرد وهو « أصحاب ».
والثاني : جملة، وقد عرف ما فيه من الخلاف.
و « فيها » متعلّق ب « خالدون » قالوا : وقد حذف من الكلام الأوّل ما أثبت في الثاني، ومن الثاني ما أثبت في الأول، والتقدير : فمن تبع هُدَاي فلا خوف ولا حُزْن يلحقه، وهو صاحب الجَنَّة، ومن كفر وكذب لحقه الخَوْفُ والحزن، وهو صاحب النار؛ لأنّ التقسيم يقتضي ذلك، ونظروه بقول الشَّاعر :[ الطويل ]
٤٢١- وَإِنِّي لتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ | كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ |
« والآية » لغة : العلامة؛ قال النَابغَةُ :[ الطويل ]
٤٢٢- تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا | لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا للعَامُ سَابِعُ |
وسميت آية القرآن [ آية ] ؛ لأنه علامة لانفصال ما قبلها عما بعدها، وقيل : سُمِّيَتْ بذلك؛ لأنها تجمع حروفاً من القرآن، فيكون من قولهم،
« خَرَجَ بنُو فلاَنٍ بآيتِهِمْ » أي : بجماعتهم؛ قال :[ الطويل ]
٤٢٣- خَرَجْنَا مَنَ النَّقْبَيْنِ لاَ حَيَّ مِثْلُنَا | بِآيَاتِنَا نُزْجِي اللِّقَاحَ المَطَافِلاَ |
واختلف النحويون في وزنها : فمذهب
« سيبويه والخليل » أنها
« فَعَلَة » والأصل :
« أَيَيَة » -بفتح العين- تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت الفاً، وهو شاذّ؛ لأنه إذا اجتمع حرفا عِلّة أعلّ الأخير؛ لأنه محلّ التغيير نحو : هوى وحوى، ومثلها في الشّذوذ :
« غَايَة، وطَايَة، وَرَايَة ».
ومذهب
« الكِسَائِيّ » أن أصلها :
« آيِيَة » على وزن
« فَاعِلَة »، فكان القياس أن يدغم فيقال : آية ك
« دابّة »، إلاّ أنه ترك ذلك تخفيفاً، فحذوفوا عينها، كما خففوا
« كَيْنُونة » والأصل :
« كيّنونة » بتشديد الياء، وضعفوا هذا بأن
« كيّنونة » أثقل فَنَاسب التَّخفيف بخلاف هذه.