وقرأ حَمْزَةُ « عَلَيْهُمْ »، و « إلَيْهُمْ »، و « لَدَيْهُمْ » بضم الهاء.
ويضم يَعْقُوب كُلُّ هاءٍ قبلها ياءٌ ساكنة تثنيةً وجمعاً، إلاّ قوله تعالى :﴿ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾ [ الممتحنة : ١٢ ].
والآخَرونَ : بكسرها. فَمَنْ ضَمَّها ردّها إلى الأصل؛ لأنها مضمومة عند الإنفراد.
ومَنْ كسرها، فالأصل الياءُ السَّاكنة، والياءُ أختُ الكسرة.
وضم ابنُ كَثِير، وأَبُو جَعْفَر كلَّ ميم جمع مُشْبِعاً في الوَصلِ، إذا لم يلقها ساكن، فإن لقيها ساكِنٌ فلا يُشبِعُ.
ونَافِعٌ يُخَيَّرُ، ويضمُّ وَرْش عند ألِفِ القطع.
وإذا تلقته ألفُ الوصلِ، وقبل الهاء كسرٌ، أو ياءٌ ساكنةٌ، ضمّ الهاءَ والمِيمَ حَمْزَةُ والكسائي -رحمهما الله- وكَسَرَهُما أبُو عَمْرو، وكذلك يَعْقُوبُ إذَا انْكَسر ما قبله.
والآخرون : بضمّ الميم، وكسرِ الهاء؛ لأجل الياء أو لكسر ما قبلها، وضمّ الميم على الأصل، وقرأ عمرُ بن الخَطَّاب -رضي الله تعالى عنه- :« صرَاطَ مَنْ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ».
قال ابنُ الخَطيب -رحمه الله تعالى- : اخْتُلِفَ في حَدِّ النّعْمَةِ :
فقال بعضُهم : إنَّها عِبَارَةٌ عن المَنْفَعَةِ المفعولة على جِهَةِ الإحسان إلَى الغيرِ.
ومنهم مَنْ يقولُ : المنفعة الحسنة المفعولة على جهة الإحْسَان إلَى الغير ]. قالوا : وإنما زدْنا على هذا القَيْدِ، لأن النعمةَ يستحقّ لها الشكر والإحسان [ والحقّ أن هذا القيد غير معتبر؛ لأنه لا يجوز أن يستحق الشكر بالإحسان ]، وإنْ كان فعله محظوراً؛ لأن جهةَ استحقاقِ السكر غير جهةِ استحقاق الذَّنْب والعِقاب، فأيُّ امتناعٍ في اجتماعهما؟ ألاَ ترى أن الفاسِقَ يستحقُّ بإنعامه الشُّكْرَ، والذَّمِّ بمعصيةِ الله تعالى، فلا يجوزُ أن يَكُونَ الأمرُ ها هنا كذلك.
ولنرجع إلى تفسير الحَدِ : فنقول : أما قولُنا :« المنفعةُ » ؛ فلأن المَضَرَّةَ المحضةَ لا تكونُ نِعمَةً.
وقولنا : المفعولة على جهة الإحسان؛لأنه لو كان نفعاً وقَصَدَ الفاعلُ به نفعَ نفسه، نَفْعَ المفعولِ به، فلا يكونُ نِعْمَةً، كَمَنْ أحسن إلى جَاِريَتِهِ، ليربَحَ عليها.
وها هنا فوائدُ :
الفائِدَةُ الأُوْلَى : أنَّ كلّ ما يصل إلى الخلق من النفع، ودفع الضَّرر، فهو من الله تعالى على ما قال تبارك وتعالى :﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله ﴾ [ النحل : ٥٣ ]، ثمَّ إنَّ النعمةَ على ثلاثةِ أَقْسَامٍ :
أحدُها : نِعمةٌ تَفَرَّدَ الله -تعالى- بإيجَادِهَا، نحو : أنْ خَلَق وَرَزَقَ.
وثانيها : نعمةٌ وصلت إلينا من جهةِ غيرِ الله -تعالى- في ظاهرِ الأمْرِ، وفي الحقيقة فهي -أيضاً- إنّما وصلت إلينا من الله تبارك وتعالى؛ وذلك لأنه -تعالى- هو الخالقُ لتلك النعمةِ، والخالقُ لذلك المنعِِمِ، وخالقٌ لداعيةِ الإنْعَام بتلك النعمة في قلب ذلك المنعم، إلاّ أنه تبارك وتعالى لَمّا أَجْرَى تلك النعمة على يَدِ ذلك العَبْدِ، كان ذلك العبدُ مشكوراً، ولكن المشكور في الحقيقة هو الله -تعالى- ولهذا قال تعالى :﴿ أَنِ اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المصير ﴾


الصفحة التالية
Icon