٤٤١ إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى جِيدَهَا تَثَنَّتْ عَلَيْهِ فَكَانَنْ لِبَاسَا
و « اللَّبُوس » : كل ما يُلْبَس من ثياب ودرع؛ قال تعالى :﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ [ الأنبياء : ٨٠ ] ولاَبَسْتُ فلاناً حتى عرفت باطنه.
و « الباطل » : ضد الحق، وهو الزائل؛ كقول لَبِيدٍ :[ الطويل ]
٤٤٢ أَلاَ كُلٌّ شَيْءٍ مَا خَلاَ الله بَاطِلُ... ويقال : بَطَلَ الشيءُ يَبْطُلُ بُطُولاً وبُطْلاً وبُطْلانَاً.
و « البَطَل » : الشّجاع، سمي بذلك؛ لأنه يبطل شجاعة غيره.
وقيل : لأنه يبطل دمه فهو « فَعَل » بمعنى « مفعول ».
وقيل : لأنه يبطل دم غيره فهو بمعنى « فاعل ». وقد بَطُلَ بالضَّم يَبْطُلُ بُطُولاً وبَطَالَةً، أي : صار شجاعاً؛ قال النابغة :[ البسيط ]
٤٤٣ لَهُمْ لِوَاءُ بِكَفِّيْ مَاجِدٍ بَطَلٍ لاَ يَقْطَعُ الخَرْقَ إلاَّ طَرْفُهُ سَامِي
وبَطَل الأجيرُ بالفتح بِطَالة بالكَسْر : إذا تعطَّل، فهو بَطَّال، وذهب دمه بُطْلاً بالضم أي : هدراً.

فصل في المراد من قوله تعالى :« الحق بالباطل »


اختلفوا في المراد من قوله :« الحَقّ بِالبَاطِلِ » فروي عن « ابن عباس » وغيره : لا تخلطوا ما عندكم من الحَقّ في الكتاب بالباطل، وهو التغيير والتبديل.
وقال « أبو العالية » : قالت اليَهُود : محمد بمعوثٌ ولكن إلى غيرنا، فإقرارهم ببعثته حق، وجحدهم أه بعث اليهم باطل.
وقال « مجاهد » : لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام.
قوله :« وَتَكْتمُوا الحَقّ » فيه وجهان :
أحدهما، وهو الأظهر : أنه مجزوم بالعَطْفِ على الفعل قبله، نَهَاهم عن كل فعل على حِدَتِهِ، أي : لا تفعلوا هذا ولا هذا.
والثاني : أنه منصوب بإضمار « أن » في جواب النهي بعد « الواو » التي تقتضي المعية، أي : لا تجمعوا بين لَبْسِ الحق بالباطل وكِتْمَانه، ومنه :[ الكامل ]
٤٤٤ لا تَنْهَ عَنْ خُلُقِ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
و « أن » مع ما في حيّزها في تأويل مصدر، فلا بد من تأويل الفعل الذي قبلها بمصدر أيضاً ليصبح عطف [ الاسم ] على مثله، والتقدير : لا يكن منكم لَبْس الحق بالباطل وكتمانه، وكذا سائر نظائره.
وقال « الكوفيون » : منصوب ب « واو » الصرف، وقد تقدم معناه، والوجه الأول أحسن؛ لأنه نهي عن كل فعل على حِدَتِهِ، وأما الوجه الثاني فإنه نهي عن الجمع، ولا يلزم من النَّهْي عن الجمع بين الشَّيئين النهي عن كل واحد حِدَتِهِ إلا بدليل خارجي.

فصل في المراد بالكتمان


قال « ابن عبَّاس » : يعني كتمانهم أمر النبي ﷺ وهم يعرفونه.
وقال « محمد بن سِيرِينَ » : نزل عصابة من ولد هَارُونَ ب « يثرب » لما أصاب بني إسرائيل ما أصابهم من ظهور العَدُوْ عليهم، وتلك العصابة هم حَمَلَةُ التوراة يومئذ، فأقاموا ب « يثرب » يرجون أن يخرج محمد ﷺ بين ظَهْرَانيهم، وهم مؤمنون مصدقون بنبوته، فمضى أولئك الآباء، وهم مؤمنون، وخلف الأبناء وأبناء الأبناء، فأدركوا محمداً ﷺ فكفروا به وهم يعرفون، وهو معنى قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon