﴿ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ ﴾، [ الحاقة : ٢٠ ] ومثله :﴿ الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ الله ﴾ [ البقرة : ٢٤٩ ].
الثاني : بمعنى « الشَّك » قال تعالى :﴿ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾ [ الجاثية : ٣٢ ].
الثالثك بمعنى « حسب » قال تعالى :﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾ [ الانشقاق : ١٤ ] أي : حسب ألا يرجع، ومثله :﴿ ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [ فصلت : ٢٢ ].
الرابع : بمعنى « الإنكار » قال تعالى :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ [ ص : ٢٧ ] أي : إنكارهم.
والخامس : بمعنى « الجَحْد » قال تعالى :﴿ وَمَا ظَنُّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب ﴾ [ يونس : ٦٠ ] أي : وما جَحْدُهم.
و « أن » وما في حَيْزها سادّة مسدّ المفعولين عند الجمهور، ومَسَدّ الأول والثاني محذوف عند « الأخفش »، وقد تقدّم تحقيقه.
و : مُلاَقُو رَبِّهِمْ « من باب إضافة اسم الفاعل لمعموله إضافة تخفيف؛ لأنه مستقبل، وحذفت النون للإضافة، والأصل :» مُلاَقُون ربَهم « والمُفَاعلة هنا بمعنى الثلاثي نحو : عَافَاكَ الله.
قال » المهدوي « : قال » ابن عطية « : وهذا ضعيف؛ لأن » لَقِيَ « يتضمن مَعْنَى » لاَقى «. كأنه يعني أن المادّة لذاتها تقتضي المُشَاركة بخلاف غيرها من » عَاقَبْت وطَارَقْت وعَافَاك «.
وقد تقدم أن في الكلام حذفاً تقديره : ملاقو ثَوَاب ربهم وعقابه.
قال » ابن عطية « :» ويصح أن تكون المُلاَقاة هاهنا بالرؤية التي عليها أهل السُّنة، وورد بها متواتر الحديث «. فعلى هذا الذي قاله لا يحتاج إلى حَذْفِ مضاف.
و » أَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ « عطف على » أنهم « وما في حَيّزها، و » إليه « متعلّق ب » راجعون «، والضمير : إما للرَّبِّ سبحانه، أو للثواب كما تقدّم، أو للقاء المفهوم من قولهك » إنهم مُلاَقُوا «.
ويجوز :» وإنهم « بالكسر على القطع.
فصل في رؤية الله تعالى
استدّل بعض العلماء بقوله :» مُلاَقُو رَبِّهِمْ « على جواز رؤية الله تعالى، قالت المعتزلة : لفظ اللِّقاء لا يفيد الرؤية، لقوله تعالى :﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾ [ التوبة : ٧٧ ]، وقوله :﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ]، وقوله :﴿ واتقوا الله واعلموا أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ ﴾ [ البقرة : ٢٢٣ ] وهو يتناول المؤمن والكافر، والرؤية لا تثبت للكافر، وقوله ﷺ :» من حَلَفَ على يَمِينٍ ليقتطع بها مَالَ أمْرىءٍ مسلمٍ لَقِيَ الله وهو عَلَيْه غَضْبان « وليس المراد رؤية الله؛ لأن ذلك وصف لأهل النار، فعلمنا أ ن اللقاء ليس عبارةً عن الرؤية. وفي العرف قول المسلمين : من مات لَقِيَ الله، ولا يعنون أنه رأى الله، وأيضاً فاللقاء يراد به القُرْب، فإن الأمير إذا أذن للشَّخص في الدخول عليه يقول : لقيته، وإن كان ضريراً، وإذا منعه من الدُّخول يقول : ما لقيته، وإن كان قد رآه، ويقال : لقي فلان جهداً، وكل هذا يدلّ على أنّ اللقاء ليس عبارة عن الرُّؤية، وقال تعالى :