وقيل على الاستثناء المنقطع، ومنعه الفَرَّاء؛ قال : لأن « لا » لا تُزَادُ إلاّ إذا تقدمها نفي، كقول الشاعر :[ البسيط ]
٨٥- مَا كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللهِ فِعْلَهُمَا | وَالطَّيِّبَانِ أَبُو بَكْرٍ وَلاَ عُمَرُ |
٨٦- فَمَا أَلُومُ البِيضَ ألاّ تَسْخَرَا... وقول الآخر :[ الطويل ]
٨٧- وَيَلْحَيْنَني في اللَّهْوِ أَلاَّ أُحِبَّهُ | ولِلَّهْوِ دَاعٍ دَائِبٌ غَيْرُ غَافِلِ |
٨٨- أَبَى جُودُهُ لاَ البُخْلَ واسْتَعْجَلَتْ بِهِ | نَعَمْ مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُودَ نَائِلُهْ |
وفي هذا الجواب نظر؛ لن الفَرَّاء لم يقل : إنها غير زائدة، وقولهم : إن « لا » زائدة في الآية، وتنظيرهم بالمَوَاضِعِ المتقدّمة لا تفيد، وإنّما تحرير الجواب أن يقولوا : وجدت « لا » زائدةً من غير تقدّم نفي، كهذه المواضع المتقدمة.
ويحتمل أن تكون « لا » في قوله :« لا البُخْلَ » مفعولاً به ل « أَبَى »، ويكون نصب « البُخْلَ » على أنه بدل من « لا » أي : أبى جُودُهُ قَوْلَ لا، وقول : لا هو البخل، ويؤيد هذا قوله :« واسْتَعْجَلَتْ بِهِ نَعَمْ » فجعل « نَعَمْ » فاعل « اسْتَعْجَلَتْ »، فهو من الإِسْنَادِ اللّفظي، أي : إلى وجود هذا اللَّفظ، واستعجل به هذا اللفظ.
وقيل : إن نصب « غير » بإضمار أعني. ويحكى عن الخليل، وقدّر بعضهم بعد « غير » محذوفاً قال : التقدير :« صِرَاطِ المَغْضُوب »، وأطلق هذا التَّقدير، فلم يقيده بِجَرّ « غير »، ولا نصبه ولا يتأتى ذلك إلاَّ مع نصبها، وتكون صفةً لقوله تعالى :﴿ الصراط المستقيم ﴾ وهذا ضعيف؛ لأنه متى اجتمع البدل والوصف قدم الوصف، فالأولى أن تكون صفةً ل « صراط الذين »، ويجوز أن تكون بدلاً من « الصراط المستقيم »، أو من « صراط الذين » إلا أنه يلزم منه تكرار البدل، وفي جوازه نَظَر، وليس في المَسْألة نقل، إلاّ انَهم قد ذكروا ذلك في بَدَلِ البَدَاء خَاصّة، أو حالاً من « الصراط » الأول أو الثاني.
واعلم أنّه حيث جعلنا « غير » صفةً فلا بد من القول بتعريف « غير »، أو إبهام الموصوف، وجريانه مجرى النكرة، كما تقدم تقريره ذلك في القراءة بجرّ « غير ».
و « لا » في قوله تعالى :﴿ وَلاَ الضآلين ﴾ زائدة لتأكيد معنى النَّفي المفهوم من « غير » لئلا يتوهّم عطف « الضّالين » على « الذين أنعمت ».