« يا قوم » أعْلَمْ أن في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم ستَّ لُغَات.
أفصحها : حذفها مجتزئاً عنها بالكَسْرَةِ، وهي لغة القرآن.
والثانية : ثبوت الياء ساكنة.
الثالثة : ثبوتها مفتوحة.
الرابعة : قلبها ألفاً.
الخامسة : حذف هذه الألف، والاجتزاء عنها بالفتحة؛ كقوله :[ الوافر ]
٤٩٥ وَلَسْتُ بِرَاجِعِ مَا فَاتَ مَنِّي | بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيْتَ وَلاَ لَوَ أنِّي |
السَّادِسَةُ : بناء المضاف إليها على الضَّمّ تشبيهاً بالمفرد، نحو قراءة من قرأ :﴿ قَالَ رَبِّ احكم بالحق ﴾ [ الأنبياء : ١١٢ ].
قال بعضهم : لأن « ياقوم » في تقدير : يا أيها القوم والقوم : سم جمع؛ لأنه دالّ على أكثر من اثنين، وليس له واحد من لفظه، ولا هو على صيغة مختصّة بالتكسير، ومُفْردُهُ « رَجُل »، واشتقاقه من « قَامَ بالأَمرْرِ يقومُ به »، قال تعالى :﴿ الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء ﴾ [ النساء : ٣٤ ] والأصل في إطلاقه على الرجال؛ ولذلك قوبل بالنِّسَاء في قوله تعالى :﴿ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ ﴾ [ الحجرات : ١١ ].
وقول زهير :[ الوافر ]
٤٩٦ وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَالُ أَدْرِي | أَقَوْمٌ جِصْنٍ أمْ نِسَاءَ |
فصل في نظم الآية
في قوله :« يا قوم » لطيفة، وهي أنه أضاف القوم إلى نفسه، وأضاف نفسه إليهم إضافة اختلاط، وامتزاج، فكأنه منهم [ وهم ] منه فَصَارَا كالجَسَدِ الواحد فهو مقيد لهم ما يريد لنفسه، وإنما يضرهم ما يضره وما ينفعهم ينفعه كقول القائل لغيره إذا نصحه : ما أُحِبُّ لك إلا ما أُحِبُّ لنفسي وذلك إشارة إلى اسْتِمَالَةِ قلوبهم إلى قَبُولِ دعواه، وطاعتهم له فيما أمرهم به، ونَهَاهُمْ عنه.
قوله تعالى :﴿ باتخاذكم العجل ﴾ الباء للسببية، متعلّقة ب « ظلمتم »، وقد تقدم الخلاف في مثل هذه لمادة.
و « العِجْل » مفعول أوّل، والثَّاني محذوف أي : إلهاً كما تقدم، والمصدر هُنَا مضاف للفاعل، وهو أحسن الوجهين، فإن المصدر إذا اجتمع فاعله ومفعوله فالأولى إضافته إلى الفاعل؛ لأنه رتبته التقديم، وهذا من الصور التي يجب فيها تقديم الفاعل.
وأما ﴿ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ ﴾ [ الأنعام : ١٣٧ ] فسيأتي إن شاء الله تعالى. وتقدّم الكلام في « العِجْل ».
قوله :﴿ إلى بَارِئِكُمْ ﴾ متعلّق ب « توبوا »، والمشهور كسر الهمزة؛ لأنها حركة إعراب. وروي عن أبي عمرو ثلاثة أوجه أخر :
الاخْتِلاَس : وهو الإتيان بحركة خفية، والسكون المحض، وهذه قد طعن فيها جماعة من النحاة، ونسبوا راويها إلى الغَلَطِ على أبي عَمْرو.