هذا هو الإنعام السابع المذكور في سورة « الأعراف »، وظاهر هذه الآية يدلّ على أن هذا الإضلال كان بعد البعث، لأنه تعالى قال :﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [ البقرة : ٥٦ ]، ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام ﴾ أي : وجعلنا الغَمَام يظلكمن وذلك في التِّيْهِ سخر الله تعالى لهم السحاب يظلّهم من الشمس، ونزل عليهم المَنّ وهو « التَّرنْجِبِين » بالتاء والراء من طلوع الفجر إلى إلى طلوع الشمس لكل إنسان صاع.
وقال « مجاهد » : هو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار طَعْمُهُ كالشَهد.
وقال « وهب » : خبز الرقاق. وقال « السدي » : عَسَل كان يقع على الشجر من الليل.
وقال « الزجاج » :« المَنّ : ما يمنّ الله تعالى به مما لا تَعَبَ فيه ولا نصب ».
روي عن النبي ﷺ أنه قال :« الكَمَأةُ من المَنّ وماؤها شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ ».
« والسَّلْوَى » قال « ابن عباس » وأكثر المفسرين : هو طَائِرٌ يشبه السّماني.
وقال أبو العالية ومقاتل : هو السّماني.
وقال « عكرمة » : طير « الهِنْدِ » أ : بر من العصفور.
وقيل : السَّلوى : العسل نقله المؤرّج، وأنشد قول الهذليِّ :[ الطويل ]
٥٠٧ وَقَسَمَها بِالله جَهْداً لأَنْتُمُ | أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورُهَا |
قوله :﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام ﴾ تقديرهك وجعلنا الغمام يُظَلِّلُكُمْ.
قال :« ابو البقاء » : ولا يكون كقولك :« ظَلَّلْتُ زيداً يُظَلُّ » ؛ لأن ذلك يقتضي أن يكون الغمام مستوراً بظل آخر.
وقيل التقدير : بالغمام، وهذا تفسير معنى لا إعراب، لأن حذف الجر لا يَنْقَاس.
فصل في اشتقاق الغمام
الغمام : السَّحَاب، لأنه يغم وَجْه السماء، أي : يَسْتُرُهَا، وكل مستور مغموم أي مغطى.
وقيل : الغمام : السَّحاب الأبيض خاصّة، ومثله : الغَيْمُ والغَيْن بالميم والنون وفي الحديث :« إنه لَيُغَانُ عَلىَ قَلْبِي ».
وواحدته « غَمَامَةٌ » فهو اسم جنس. و « المَنّ » تقدم تفسيره، ولا واحد له من لفظه.
والمَنّ أيضاً مقدار يوزن به، وهذا يجوز إبدال نونه الأخيرة حرف علّة، فيقال : مَناً مثل : عَصاً، وتثنيته : مَنَوَان، وجمعه : أمْنَاء. والسَّلْوَى تقدمت أيضاً، واحدتها : سَلْوَاةٌ؛ وأنشدوا :[ الطويل ]
٥٠٧ وَإنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ سَلْوَةٌ | كَمَا انْتَفَضَ السَّلْوَاةُ مِنْ بَلَلِ القَطرِ |