فصل في بيان التلفظ بالحطة أو بمعناها
اختلفوا هل كلّفوا بهذه اللفظة بعينها، أو بما يؤدي معناها؟
روي عن ابن عباس : أنهم أمروزا بهذه اللفظة بعينها، وفيه نظر؛ لأن هذه اللفظة عربية، ولم يكونوا يتكلمون بالعربية، وأيضاً فإنما أمروا بأن يقولوا قولاً دالاً على التوبة والندم؛ فلو قالوا : اللّهم إنا نستغفرك ونتوب إليك لكان المقصود حاصلاً.
قولهك « نَغْفِرْ » هو مجزوم ف يجواب الأمر، وقد تقدم الخلاف، هل الجازم نفس الجملة، أو شرط مقدر؟ أي : يقولوا نغفر.
وقرىء :« نَغْفِرْ » بالنون وهو جار على ما قبله [ من قوله :] « وإذ قلنا » و « تُغْفَر » بالتاء بالياء مبنيّاً للمفعول.
و « خطاياكم » معفول لم يسم فاعله، فالتَّاء لتأنيث الخَطَايا، والياء؛ لأن تأنيثها غير حقيقين وللفصل أيضاً ب « لكم ».
وقرىء :« يغفر » مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى وهو في معنى القراءة الأولى، إلاّ أن فيه التفاتاً.
و « لكم » متعلّق ب « نغفر ».
وأدغم « أبو عمرو » الراء في اللاّم، والنحاة يستضعفونها، قالوا : لأن الرَّاء حرف تكرير فهي أقوى من اللام، والقاعدة أن الأضعف يدغم في الأقوى من غير عَكْسٍ، وليس فيها ضعف، لأن انحراف اللاّم يقاوم تكرير الراء. وقد بَيَّن « أبو البَقَاءِ » ضعفه،
وتقدم جوابه.
قوله :« خطاياكم » : إما منصوب بالفعل قبله، أو مرفوع حسب ما تقدّم من القراءات، وفيها [ أربعة ] أقوال :
أحدها : قول الخليل [ أنّ ] أصلها « خَطَايىء » بيا ء بعد الألف، ثم همزة؛ لأنها جمع « خطيئة » مثل :« صَحِيْفة وصَحَايف »، فلو تركت على حالها لوجب قَلْبُ الياء همزة؛ لأن مدة « فَعَايل » يفعل بها كذا، على ما تقرر في التصريف، فضر من ذلك، لئلا تجتمع همزتان، بأن قلب فقام اللام، وأخّر عنها المدّة فصارت :« خَطَائي »، فاستثقلت الكسرة على حرف ثقيل في نفسه، وبعده ياء من جنس الكَسْرَةِ فقلبوا الكسرة فتحة، فتحرك حرف العّلة، وانفتح ما قبله فقلبت ألفاً، فصارت :« خَطَاءا » بهمز بين ألفين، فاستثقلوا ذلك، فإنّ الهمزة تشبه الألف، فكأنه اجتمع ثلاث ألفات، فقلبوا الهمزة ياء؛ لأنها واقعة موقعها قبل القَلْبِ، فصارت « خَطَايَا » على وزن « فَعَالَى » ففيها أربعة أعمال : قلب، وإبدال لكسرة فتحة، و قلب الياء ألفاًن وإبدال الهمزة ياء، هكذا ذكر التصريفيون، وهو مذهب الخليل.
الثاني : وعزاه « أبو البقاء » إليه أيضاً أنه :« خطائيء » يهمزتين : الأولى منهما مكسورة وهي المنقلبة عن الياء الزائدة في « خَطِيْئة » فهو مثل « صَحِيْفة » و « صَحَائف »، فاستثقلوا الجمع بين الهمزتين، فنقلوا الهمزة الأولى إلى موضع الثانية، فصار وزنه « فَعَلى »، وإنما فَعَلوا ذلك، لتصير المكسورة ظرفاً، فتنقلب ياء، فتصير « فعالىْ »، ثم أبدلوا من كسرة الهمزة الأولى فتحة، فانقلبت الياء بعدا ألفاً كما قالوا في : يا لَهْفى « » ويا أَسَفى «، فصارت الهمزة بين ألفين، فأبْدِل منها يا، لأن الهمزة قريبة من الألف، فاستنكروا اجتماع ثلاث ألفات.