وقوله :﴿ عَلَى الذين ظَلَمُواْ ﴾ فأعادهم بذكرهم أولاً، ولم يقل :« عليهم » تنبيهاً على أن ظُلْمهم سبب في عقابهم، وهو من إيقاع الظاهر موقع المُضْمَر لهذا الغرض، وإيقاع الظاهر موقع المُضْمَر على ضربين : ضرب يقع بعد تمام الكلام كهذه الآية، وقول الخنساء :[ المتقارب ]
٥١٨ تَعَرَّقَنِي الدَّهْرُ [ نَهْساً ] وَحَزَّا | [ وَأَوْجَعَنِي ] الدَّهْرُ قَرْعاً وَغَمْزا |
وضرب يقع في كلام واحد؛ نحو قوله :﴿ الحاقة ٠ مَا الحآقة ﴾ [ الحاقة : ١، ٢ ].
٥١٩ لَيْتَ الغُرَابَ غَدَاةَ يَنْعَبُ دَائِباً | كَانَ الغُرَابُ مُقَطَّعَ الأَوْدَاجِ |
٥٢٠ لاَ أَرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْءٌ | نَغَّصَ المَوْتُ ذَا الغِنَى والفَقِيرَا |
وقرأ « ابن وَثّاب » :« يَفْسِقُون » بكسر السين، وتقدم أنهما لُغَتَان.
فصل في تفسير الظلم
قال أبو مسلم : هذا الفِسْقُ هو الظلم المذكور في قوله :﴿ عَلَى الذين ظَلَمُواْ ﴾ وفائدة التكرار التأكيد.
قال ابن الخطيب : والحق أنه غيره؛ لأن الظلم قد يكون من الصَّغائر، ولذلك قال بعض الأنبياء :﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ] وقد يكون من الكَبَائر، قال تعالى :﴿ إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [ لقمان : ١٣ ]، والفِسْق لا بُدّ وأن يكون من الكبائر، ويمكن أن يجاب عنه : بأن أبا مُسْلِم لم يقل بأن الفسق مطلق الظلم، وإنما خصّه بظلم معين، وهو الذي وصفوا به في أوَّول الآية، ويحتمل أنهم استحقُّوا اسم الظلم بسبب ذلك التبديل، فنزل الرِّجْزُ عليهم بالفِسْقِ الذي كانوا يفعلوه قيل التبديل، فيزول التكرار.
احتجّ بعضهم بقوله :« فَبَدَّل الَّذِينَ ظَلَمُوا » على أنَّ ما ورود من الأذكار لا يجوز تبديله بغيره، وعلى هذا لا يجوز تحريم الصَّلاة بفلظ التَّعْظيمن لا يجوز القراءة بالفارسية.
وأجاب أبو الرَّازِي :« بأنهم إنما استحقُّوا الذَّم لتبديلهم القول إلى قول يُضَاد معناه معنى الأول، فلهذا استوجبوا الذم، فأما تغيير اللفظ مع بقاء المعنى فليس كذلك ».
قال ابن الخطيب :« والظَّاهر أن هذا بتناول كل من بدّل قولاً يقول آخر سواء اتَّفَقَا أو لم يتفقا ».
فإن قيل : قال هنا :« وإذ قلنا »، وفي « الأعراف » :﴿ وَإِذْ قِيلَ ﴾ [ الأعراف : ١٦١ ].
قيل : لأن سورة « الأعراف » مكية، و « البقرة » مدنية فأبهم القائل في الأولى وهي « الأعراف » ليكون لهم وَقْع في القلب، ثم بَيَّنَهُ في هذه السورة المدنية، كأنه قال : ذلك القائل هناك هو هذا.