وقيل : بل كانوا يجدونه في كل مَرْحَلة في منزلته من المرحلة الأولى، وهذا من [ أعظم ] الإعجاز.
وقال سعيد بن جُبَيْرٍ : هو الحَجَرُ الذي وضع عليه موسى ثَوْبَهُ حين اغتسل، فضربه حتى بَرَّأَهُ الله مما رموه به من الأُدْرَة، فقال له جبريل : فيقول الله تعالى لك : أرفع هذا الحَجَرَ، فإن لي فيه قدرة، ولك فيه مُعْجزة، فحمله في مخْلاَتِهِ. قال أبو روق : كان من [ الكدّان ]، وقيل : من الرُّخَام.
[ فإن قلت ] : الألف واللام للجنس، فمعناه :[ اضرب ] أي حجر كان.
قال الحسن : لم يأمره أن يضرب حجراً بعينه، قال : وهذا أظهر في الحُجّة. وروي أنه كان يضره ضربةً واحدة، فيظهر فيه اثنتا عشر عيناً كل عين مثل ثَدْي المرأة فيعرق، وهو الانْبِجَاس، ثم ينفجر بالأنهار.
قال عطاء : ثم يضربه ضربةً واحدة فَيَيْبَسُ.
وقال عبد العزيز بن يحيى الكتاني : كان يضربه اثنتا عشرة ضربةً لكل عين ضربة.
قال القرطبي : ما أوتي نبينا محمد ﷺ من نَبْعِ الماء وانفجاره من بين أصابعه أعظم في المُعْجزة، فإنا نشاهد الماء يتفجّر من الأحجار، ومعجزة نبينا محمد ﷺ يخرج الماء من بين لَحْمِ ودَمٍ!
وروى الأئمة الثقات عن عبدالله قال : كنا مع النبي ﷺ فلم مجد ماءً فأتي بِتَوْرٍ فأدخل يده فيه، فلقد رأيت الماء يتفجّر من بين أصابعه، ويقول :« حي على الطّهور ».
قال الأعمش : حدثني سالم بن أبي الجَعْدن قال : قلت لجابر : كم كنتم يومئذ؟
قال : ألفاً وخمسمائة. لفظ النَّسَائي.

فصل في وجوه الإعجاز في انفجار الحجر


والحكمة في جَعْلِ الماء اثنتي عشرة عيناً قطع التنازع والتَّشَاجر بينهم، وهذا الانفجار يدلّ على الإعجاز من وجوه.
أحدها : أن نفس ظهور الماء معجزة.
وثانيها : خروج الماء العظيم من الحجر الصغير.
وثالثها : خروج الماء بِقَدْر حاجتهم.
ورابعها : خروج الماء عند الضَّرْب بالعصا.
وخامسها : خروج الماء بالضَّرب بعصا معينة.
وسادسها : انقطاع الماء عند الاستغناء عنه، فهذه الوجوه لا يمكن تحصيلها إلا بِقُدْرَةٍ تامة في كل الممكنات، وعلم نافذ في جميع المعلومات.
قوله :﴿ كُلُواْ واشربوا ﴾ هاتان الجمليتان في محلّ نصب بقول مضمر تقديره : وقلنا لهم : كلوا واشربوا. وقد تقدّم تصريف « كُلْ » وما حذف منه.
قوله :﴿ مِن رِّزْقِ الله ﴾ هذه من باب الإعمال؛ لأن كلّ واحد من الفعلين يصحّ تسلّطه عليه، وهو من باب إعمال الثاني للحذف من الأول. والتقدير : كلوا منه.
و « مِنْ » يجوز أن تكون لابتداء الغاية، وأن تكون للتبعيض، ويجوز أن يكون مفعول الأكل محذوفاً، وكذلك مفعول الشرب؛ للدلالة [ عليهما ]، والتقدير : كلوا المَنّ والسَّلوى لتقدمهما في قوله :


الصفحة التالية
Icon