٥٤٢ فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّابَايَا وأُبْنَا بِالمُلُوكِ مُصَفَّدينَا
وهذا وَهَمٌ؛ لأن هذا البيت من مادة :« آبَ يَئوب » فمادته من همزة، وواو، وبَاءٍ، و « بَاءَ » مادته من باء، وواو، وهمزة، وادعاء القلب به بعيدٌ؛ لأنه لم يُعْهَد تقدُّم العين واللام معاً على الفاء في مقلوب، وهذا من ذلك.
والبَوَاءك الردوع بالقَوَدِ، وهُمْ في هذا الأمر بَوَاء، أي : سَوَاء؛ قال :[ الطويل ]
٥٤٣ أَلاَ تَنْتَهي عَنَّا [ مُلُوكٌ ] وتَتَّقِي مَحَارِمَنَا لاَ يَبُؤِ الدَّمُ بِالدَّمِ
أي : لا يرجعُ الدم بالدم في القَوَدِ.
وبَاءَ بكذا : أقرَّ أيضاً، ومنه الحديث المتقدِّم أي : أُقِرُّ بها، وأُلْزِمُهَا نَفْسِي، وقال :[ الكامل ]
٥٤٤ أَنْكَرْتُ بَاطِلَها وَبُؤْتُ بِحَقِّهَا .......................
وقال الراغبك « أصل البَواء مُسَاوَاةٌ الأَجْزَاءِ في المكان خلاف النَّبْوَة الذي هو مُنَافاة الأجزاء ».
وقوله :« وَبَاءوا بِغَضَبٍ » أي : حلُّوا مَبْوَأً ومعه غَضَب، واستعمال « بَاءَ » تنبيه على أن مكانه الموافق ييلزمه فيه غضب الله فكيف بغيره من الأمكنة، وذلك نحو :﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ آل عمران : ٢١ ].
ثم قال : وقول من قال : بؤت بحقها، أي : أقررت فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ.
وقولهم :« حَيّاك الله وبَيّاك » أصله : بَوّأك، وإنما غير للمُشَاكلة، قاله خلف الأحمر.
وقيل : باءوا : استحقوا، ومنه قوله تعالى :﴿ إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ﴾ [ المائدة : ٢٩ ] أي : يستحق لإثم جمعياً، ومن قال : إنه الرجوع فلا يقال : باء إلا بِشَرّ.
قوله :« بغضب » في موضع الحال من فاعل « باءوا » أي : رجعوا مغضوباً عليهم، وليس مفعولاً به ك « مررت بزيد ».
وقال الزمخشري : هو من قولك : باء فلان بفلان إذا كان حقيقاً بأن يقتل به لمُسَاواته له ومكافأته، أي صاروا أحقاء بغضبه. وعلى هذا التفسير ينبغي كون الباء للحال.
قوله :﴿ مِّنَ الله ﴾ الظاهر أنه محلّ جر صفة ب « غضب »، فيتعلّق بمحذوف، أي : بغضب كائن من الله.
و « من » لابتداء الغاية مجازاً.
وقيل : هو متعلّق بالفعل نفسه أي : رجعوا من الله بِغَضَبٍ. وليس، بقوي.
قوله :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ﴾.
« ذلك » مبتدأ أشير به إلى ما تقدّم من ضرب الذِّلّة والمسكنة [ والخلافة ] بالغضب.
و « بأنهم » الخبر، والباء للسببية، أي : ذلك مستحقّ بسبب كفرهم.
وقال المهدوي : الباء بمعنى اللام أي : لأنهم، ولا حاجة إلى هذا، فإن باء السببية تفيد التَّعطيل بنفسها.
و « يكفرون » في محلّ نصب خبراً ل « كان »، و « كان » وما في حَيّزها في حل رفع خبراً للمبتدأ كما تقدم.
قوله :﴿ بِآيَاتِ الله ﴾ متعلّق ب « يكفرون » والباء للتعدية.


الصفحة التالية
Icon