﴿ وَتَوَاصَوْاْ بالحق ﴾ [ العصر : ٣ ] أي : بالله.
قوله :« ذَلِكَ بَمَا عَصَوا » مثل ما تقدم.
وفي تكرير اسم الإشاره قولان :
أحدهما : أمه مُشَار به إلى ما أشير بالأول إليه على سبيل التأكيل.
والثاني : ما قاله الزمخشري : وهو أن يشار به إلى الكُفْرِ، وقَتْلِ الأنبياء، على معنى أن ذلك بسبب عصيانهم، واعتدائهم؛ لأنهم انهمكوا فيها.
و « ما » مصدرية، و « الباء » للسببية، أي بسبب عصيانهم، فلا محلّ ل « عصوا » لوقوعه صلةً، وأصل « عَصَوْا » :« عَصَيُوا » تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، فالتقى سكنان [ الياء ] والواو، فحذفت الياء لكونها أوّل السّاكنين، وبقيت الفتحة تدلّ عليها، فوزنه « فَعَوْا ».
وأصل « العصيان » : الشدة. واعتصمت النَّوَاة : إذا اشتدت.
قوله :﴿ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴾ المراد منه الظُّلم، أو تجاوز الحَقّ إلى الباطل.
وأصل :« الاعتداء » : المُجَاوزة من « عَدَا » « يعْدُوا »، فهو « افْتِعَال » منه، ولم يذكر متعلّق العصيان والاعتداء، ليعم كل ما يُعْصى ويعتدى فيه.
وأصل « يَعْتَدُون » :« يَعْتَدِيُون »، ففعل به ما فعل ب ﴿ تَتَّقُونَ ﴾ [ البقرة : ٢١ ] من الحذف والإعلال، وقد تقدم، فوزنه :« يَفْتَعُون ».
والواو من « عصوا » واجبة الإدغام في الواو بعدها، لانفتاح ما قبلهان وليس فيها [ مدٌّ ] يمنع من الإدغام، ومثله :﴿ فَقَدِ اهتدوا وَّإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ [ آل عمران : ٢٠ ] وهذا بخلاف ما إذا انظم ما قبل الواو، فإن المَدّ يقوم مقام الحاجز بين المثلين : فجيب الإظهار، نحو :﴿ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ﴾ [ البقرة : ٢٥ ] ومثله :﴿ الذى يُوَسْوِسُ ﴾ [ الناس : ٥ ].
فإن قيل : ما الفرق بين ذكره « الحَقّ » هاهنا معرفاً، وبين ذكره في « آل عمران » منكراً في قوله ﴿ وَيَقْتُلُونَ الأنبيآء بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ [ آل عمران : ١١٢ ] ؟
والجواب : أن الحَقّ المعلوم الذي يوجب القتل فيما بين الناس هو قوله ﷺ :« لا يَحِلّ دَمُ امرىءٍ مسلم إلا بإحْدَى ثَلاَثٍ، كُفْر بعد [ إيمان ]، وزِنّى بعد [ إحْصَان ]، وقَتْل نفس بغير حق ».
فالمعرّف إشارة إلى هذا، والمنكّر المراد به تأكيد العموم، أي : لم يكن هناك حقّ ألبتّة لا لهذا الذي يعرفه المسلمون ولا غيره.
فإن قيل : ما الفائدة في جمعه « الأنبياء » هنا جمع سَلاَمة، وفي « آل عمران » جمع تكسير؟
فالجواب :[ ذلك لموافقة ما بعده من جمعي السَّلامة، وهو « النَّبِيِّين » « الصَّابِئِين » بخلاف الأنبياء ]..


الصفحة التالية
Icon